قبل شهرين، رفضت المحكمة المركزية في القدس، طلبًا قدم رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لعقد جلسة عاجلة وإصدار قرار يمنع نشر مقاطع فيديو في "إسرائيل" توثق تحقيقات الشرطة معه ومع زوجته سارة ونجله يائير، والتي تظهر في فيلم وثائقي بعنوان "ملفات بيبي"، عُرض في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، في 11 سبتمر/ أيلول الماضي.
وقبل أيامٍ، تم رفعه على تطبيق "غولت الأمريكي"، ما استدعى آلاف الإسرائيليين إلى استخدام شبكة "VPN" لتجاوز الحظر المفروض عليه لمشاهدته.
وأثار الفيلم "ملفات بيبي" – الذي يكشف تحقيقات شرطة الاحتلال مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأفراد عائلته – ضجةً بين الإسرائيليين، الذين تسابقوا على مشاركة مقاطعَ منه على صفحاتهم في منصات التواصل الاجتماعي.
ماذا يعرض فيلم "ملفات بيبي"؟
والفيلم من إنتاج الحائز على جائزة الأوسكار، أليكس جيبني، وإخراج أليكسيس بلوم. وسُجلت المقاطع المصورة بين عامي 2016 و2018 كجزء من جمع الشرطة الأدلة لتحديد ما إذا كان ينبغي توجيه لائحة اتهام ضد نتنياهو، والتي وُجهت ضده في العام 2019، وشملت تهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.
ووصلت التسجيلات المصورة إلى جيبني، العام الماضي، وتتضمن تحقيقات مطولة مع نتنياهو وزوجته سارة ونجله يائير وأصدقاء ومقربين من نتنياهو، وكذلك موظفين في مسكن رئيس الحكومة الرسمي، وفق ما ذكرت مجلة "فارايتي"
ونقلت المجلة عن جيبني قوله "إن هذه التسجيلات تلقي الضوء على شخصية نتنياهو بطريقة غير مسبوقة وغير عادية. إنها دليل قوي على شخصيته الفاسدة والمرتشية وكيف قادتنا إلى ما نحن عليه الآن".
ووفقا لتوم باورز، كبير مبرمجي الأفلام الوثائقية في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، فإن "ملفات بيبي هو عمل من أعمال الصحافة الوثائقية من الدرجة الأولى. فقد حصل أليكسيس بلوم وأليكس جيبني على لقطات كاشفة لم يرها أحد من قبل، ثم أجريا مقابلات معمقة مع مجموعة واسعة من الشخصيات بما في ذلك من أعلى مستويات الحكومة الإسرائيلية".
ورغم أن التسجيلات، التي تحتوي على آلاف الساعات من التحقيقات، تم إجراؤها منذ أكثر من ثماني سنوات، إلا أنه لم يتم رؤيتها في أي مكان بما في ذلك إسرائيل بسبب قانون الخصوصية فيها.
وقالت بلوم إنه "تبرز شخصية نتنياهو بقوة في التسجيلات. وأود أن أقول إن الفارق بين هذا الفيلم ونشرات الأخبار أو شيء قد تشاهده عن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني هو أن هذه نظرة إنسانية للغاية إلى الأشخاص الذين يتصدرون عناوين الأخبار".
وأضافت أن الفيلم الوثائقي يستخدم مقاطع فيديو الاستجواب "كطريقة للدخول" إلى قصة نتنياهو، رئيس الحكومة الأطول مدة في إسرائيل والذي تولى منصبه ست مرات، "وكان عملنا في هذا الفيلم هو ربط هذه التحقيقات ومحاكمة الفساد بكل ما يأتي بعد ذلك".
وأشار جيبني إلى أن الفيلم يتنقل بين حاضر نتنياهو وماضيه، "ويكشف شيئاً شكسبيرياً عن الرجل بمعنى أن فساد شخصيته البطيء وحاجته اليائسة للبقاء في السلطة دفعته إلى القيام بأشياء فظيعة نرى الآن أدلة عليها".
◾ مقطع مسرب:
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) November 24, 2024
لحظة إنهيار و انفعال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في وجه المحققين بعد مواجهته بالأدلة والشهود في قضايا فساد فيما يعرف بـ"ملفات بيبي pic.twitter.com/xo0ayfze28
وقالت بلوم إن خطة "الإصلاح القضائي" لإضعاف جهاز القضاء، التي أطلقتها حكومة نتنياهو، مطلع العام الماضي، كانت أحد الأسباب التي دفعتها إلى العمل على هذا الفيلم.
ويرتكز فيلم "ملفات بيبي" على لقطاتٍ مسرّبة من التحقيقات مع نتنياهو في قضايا الفساد (1000 و2000 و4000)، إلى جانب مقابلات مع شخصيات إسرائيلية رئيسية، مثل رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت، ورئيس جهاز الشاباك السابق عامي أيالون، والصحفي رفيف دراكر.
ويولي الفيلم اهتماماً خاصاً بقضية أرنون ميلشان، منتج هوليوود الإسرائيلي، الذي قدم لعائلة نتنياهو هدايا تبلغ قيمتها مئات الآلاف من الشواقل. حيث يُقدّم الفيلم العلاقة بين ميلشان ونتنياهو باعتبارها حالة اختبار كلاسيكية للعلاقات بين رأس المال والحكومة، عندما أدت الهدايا المزعومة إلى تدخل نتنياهو في شؤون الضرائب والتأشيرات لصالح المنتج.
وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن الفيلم يُقدّم صورة غير إيجابية عن نتنياهو، الذي يتصرف انطلاقاً من مصالح واعتبارات شخصية، ويُظهر مدى تأثير زوجته سارة وابنه يائير عليه.
ويحاول نتنياهو خلال جلسات استجوابه البروز كشخصية ذات نزاهة، إذ تتلخص استراتيجيته بالإنكار، حيث يقول موقع "فاريتي" إن 95% من إجاباته على أسئلة المحققين تمثلت بـ"لا أتذكر".
ولا يقتصر الأمر على الإنكار، إذ حاول نتنياهو التلاعب بمشاعر محققي الشرطة من خلال مهاجمتهم بنبرة عالية. وفي إحدى المقابلات التي تداولها الإسرائيليون على مواقع التواصل الاجتماعي، يصرخ بوجه أحد المحققين: "هذا سخيف، أنت واهم".
ثم يستمع نتنياهو إلى تسجيلاتٍ صوتية لشهودٍ يصفون تجاوزاته وصفقاته غير القانونية التي أبرمها، مثل تسهيله قروضاً مصرفية بقيمة 250 مليون دولار لقطب الهواتف المحمولة الإسرائيلي شاؤول إلوفيتش، مقابل حصوله على السيطرة التحريرية على موقع "وللا". ويصرخ قائلاً: "أكاذيب.. كلها أكاذيب"، في سعيه لاستمالة المحققين لتصديقه.
وفي مقطع فيديو آخر، حاول نتنياهو إظهار "المظلومية" خلال التحقيق معه، حيث قام بضرب الطاولة بيده، متهماً الشهود باختلاق القصص ضده. وعلّق الناقد السينمائي بمجلة "فاريتي"، أوين جليبرمان، قائلاً: "لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي ممثل كبير مثل ترامب، وساحر في وقاحته".
ويشير الفيلم الوثائقي إلى أن نتنياهو مرعوب من الإطاحة به وسجنه، إلى الحد الذي يجعله على استعداد لإثارة الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي لتجنب ذلك.
وبحسب موقع "فاريتي" الأمريكي، فإن الفيلم يقدم حجة قوية مفادها أن تحالف نتنياهو مع أقصى اليمين في "إسرائيل" وإصراره على إطالة الحرب على غزة دون أفق، كان مدفوعاً بالكامل تقريباً بمحاولته التهرب من التهم الموجهة إليه.
هيمنة سارة على نتنياهو
يتضمن الفيلم مقتطفات من جلسات التحقيق مع سارة، زوجة نتنياهو، التي تظهر في مقاطع الفيديو وهي توبخ المحققين لانشغالهم بـ"التفاهات" المتعلقة بتلقيها الهدايا.ويكشف الفيلم ولع سارة نتنياهو بالمجوهرات الثمينة، فضلاً عن شغفها بالشمبانيا الفاخرة المقدمة لها.
وتقول هاداس كلاين، مساعدة رجل الأعمال أرنون ميلشان، خلال استجوابها من الشرطة، إن سارة طلبت منها أن تجعل ميلشان يشتري لها سواراً من الألماس بقيمة 42 ألف دولار.
وتقول المخرجة بلوم: "لم نتمكن من وضع بعض الأشياء التي قيلت في الفيلم، مثل الطريقة التي يجري بها نتنياهو اتصالاته، ووضع الهاتف بمكبر الصوت حتى تتمكن سارة من الاستماع إلى المحادثة".
كما يظهر في المقاطع المسربة يائير، نجل نتنياهو، وهو يهاجم الشرطة الإسرائيلية خلال جلسات التحقيق، متهماً إياها بأنها تتصرف كجهاز الأمن بألمانيا الشرقية الشيوعية، وبمحاولة تنفيذ انقلاب سياسي ضد والده.
غزة والهروب مع المتطرفين نحو الأمام من المحاكمة
وعن سياسة الهروب إلى الحروب والمماطلة في إنهائها، يشبه المنتج الأمريكي نتنياهو، مثل بوتين، يعرف كيفية استخدام إخفاقاته لصالحه في قضية المختطفين، قائلاً: "إعادة المختطفين تتطلب استعداداً معيناً للتوصل إلى تسوية سياسية بالإضافة إلى تفكير طويل الأمد يتجاوز بقائه السياسي".
وفي العام 2002، ضحى بوتين بالأسرى الذين قتلوا على يد قوات الأمن التابعة له، ما أسفر عن مقتل 132 أسيرا إلى جانب 40 مسلحاً شيشانياً، متذرعاً بأنه يحمي الأمة الروسية.
فيما أكدت صحيفة "هآرتس" أن "الارتباط بين محاكمة نتنياهو بتهمة الفساد والحرب على غزة، ربما يكون أعظم إنجازات الفيلم"، مشيرة إلى أن هذا الربط معلوم لدى الإسرائيليين، لكنه ليس واضحاً كثيراً لشعوب العالم، بما في ذلك اليهود.