كان حلم أمل أبو عاصي أن تبني جيلًا بغرس قيم وأخلاق ديننا الحنيف، بدأت أولى لبنات هذا الحلم بتأسيس روضة غرس التي افتتحتها غرب مدينة غزة، ولم تلبث سوى شهر واحد حتى أضحت أثرًا بعد عين مع اندلاع حرب الإبادة "الاسرائيلية" في السابع من أكتوبر 2023.
هربت أبو عاصي مرغمة إلى جنوب قطاع غزة لعل هذه الحرب تكون سحابة صيف تمرُّ خلال وقت قصير، وتعود هي إلى غزتها لتواصل حلمها بغرس جيل جديد من الأطفال، ولكن الغمامة السوداء لم تنقشع بعد مرور عام ونيف.
لم يخبُ حلم أبو عاصي يومًا بمواصلة مشروعها "غرس" ولكن ظروف النزوح في خيمة في منطقة المواصي غرب خان يونس، جعلتها تؤجل الفكرة، ولكنها تفاجأت بإلحاح النازحين وتشجيعهم لها بإعادة الروح لحلمها وتأسيس مدرسة غرس داخل عدة خيام تحت شعار "علم+عمل+أخلاق=نهضة".
قال صل الله عليه وسلم "لو قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فل يغرسها" من هذا الحديث النبوي اتخدت اسمًا لحلمها غرس، قائلة:" الحديث هو تأكيد على أن الغرس هو جزء أصيل من ديننا، وعادة لهذه الكلمة مفهوم الثبات والبقاء، والامتداد عبر الجذور في التاريخ، وفي المستقبل عبر الفروع".
وتضيف أبو عاصي لـ "فلسطين أون لاين" : "منذ ثلاثة أشهر بدأتُ بتنفيذ الفكرة، باختيار الكادر التعليمي بعد سلسلة من المقابلات بحضور لجنة مختصة باختيار الطواقم العاملة في هذا المجال حيث وقع الاختيار على 18 معلمًا، وانطلقت في مواصي خانيونس منذ ثلاثة أسابيع".
تبيّن أن المخيم الذي جاءت مدرسة غرس في قلبه يضم 850 أسرة، وفيها عدد كبير من الأطفال لا تستطيع المدرسة استيعاب جميعهم، حيث تم الاكتفاء بـ 300 طفل لفترتين صباحية ومسائية.
وتشير أبو عاصي، إلى أن السعة الاستيعابية للمدرسة أقل بكثير من الحاجة المطلوبة، حيث يوجد مساحة لإنشاء صف دراسي يستوعب 100طالب ولكن لا يوجد ميزانية لإقامته.
تقول أبو عاصي: " كان من الصعب أن تعتذري لطفل متعلق بالعلم، ولديه حلم بأن يجلس على مقعد دراسي ويمسك قلمًا، ودفتر، بحجة أنه لا مكان فارغ يمكن أن يملأه داخل الخيمة".
وما تقدمه أبو عاصي في فصولها الدراسية خارج الصندوق، تشرح :"نقدم البرامج المقرة من قبل وزارة التربية والتعليم، إضافة إلى الفن التشكيلي، والحكواتي، وفن الإلقاء، واللياقة البدنية، والتفريغ النفسي، وسفير فلسطين، والقائد الصغير، وأنا مسلم، والقاعدة النورانية.
وتردف: "مجموعة البرامج تهدف إلى تشكيل شخصية الطفل، واكتشاف مواهبه، واستطعنا أن نضع أيدينا على أحلامهم، وتمكنا من إنارة شمعة بدلًا من أن نلعن الظلام".
وتتطلع أبو عاصي إلى أن تنجح بإخراج هذا الجيل من أزمة الحرب الكبيرة، ونقلهم إلى واقع أجمل ، وأفضل وسلام لا حرب بعده، إلى مساحة جيدة من الأمان، والحرية، والتعبير عن الرأي،واكتشاف القدرات، والمواهب، والمعارف.
وتأمل بألا ترى طفل يقف على طوابير الماء، والخبز، والتكية، وألا يكون هناك طفل محروم من التعليم، بل معزز مكرم بين أهله في بيته وبين أحبته، وهذا ما يليق بأطفال فلسطين، وغزة على وجه الخصوص، وأن تنتهي هذه المحرقة للعودة إلى بناء الأخلاق بأفضل وأجمل مما كانت.
وتهدف أمل بغرس إلى إنقاذ ما تبقى من قيم مجتمعية، وأخلاق، ومبادىء، وإنقاذ ما تبقى من طفولة محترقة، ومقهورة، ومصادرة، في ظل هذا النزوح المرهق. للاطفال وذويهم.
وتشدد على أنه لا يمكن لأي شىء أن يكون بديلًا عن الحياة الأصلية بغزة، وعن مدارس غزة، وليس الأمر استسلام لعدم العودة، ولكن الفاقد التعليمي المهول، والهوة الأخلاقية، والعلمية، والدينية، والثقافية كبيرة جدا، تتشكل في شخصية الأطفال، والطفولة منتهكة ومصادرة وهذا ما استدعى إنشاء مدرسة غرس.
وعن العقبات التي تواجه أبو عاصي، تبين أن المدرسة عبارة عن خيام والمفاصل بينها شادر وبالتالي تتداخل الأصوات، وهناك عقبة أساسية وفارقة وهي الدعم المادي حيث يحتاج الأطفال إلى مقاعد يسندون عليها، وإلى كشافات إنارة للمحافظة على بصرهم، وتكفل المعلمات بمكافئات مادية نظير عملهن.
أمل أبو عاصي.. سيدةٌ أحيتْ حلمها "غرس" لإنقاذ الجيل من التَّجهيل في خان يونس