يرى الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي، أن القضية الفلسطينية قبل "طوفان الأقصى" كانت في طور الطمس والخنق، وبالتالي شكلت العملية فرصة لإنعاشها رغم الثمن الكبير والهائل الذي دفعه الفلسطينيون داخل قطاع غزة.
ويقول عرابي في مقابلة مع "فلسطين أون لاين"، إن الحرب لا تزال قائمة وتداعيات هذه الحرب ستبقى مفتوحة حتى لو توقفت سيكون هناك تداعيات سياسية ودعائية في العالم بسبب الحرب على غزة.
وتوقع أن يكون هناك تداعيات حتى على مستوى الوضع الداخلي في البلاد العربية، قائلًا: نعم التداعيات بطيئة ولكنها حتمية وستكون قادمة في الحقيقة وبالتالي طوفان الأقصى رغم الألم الكبير الخطير الذي دفعه الفلسطينيون في غزة لن يتوقف عند هذه اللحظة ومن ثم قد يكون من الصعب تقييم التداعيات والحديث عن مسارات وسيناريوهات الحرب والمشروع السياسي الفلسطيني عند هذه اللحظة.
وأشار إلى، أن هناك مشروع "إسرائيلي" يهدف إلى إعادة احتلال غزة وفرض احتلال عسكري لمرحلة طويلة على الأقل على شمال غزة، فهناك مشروع "إسرائيلي" شبه واضح ومعلن بخصوص هذا الموضوع لكن لا يعني ذلك بالضرورة أن الأمور ستنتهي كما يريد الإسرائيليون، أو أن إرادة الاحتلال نافذة أوحتمية على هذا الصعيد.
عودة ترامب
وحول تأثير فوز ترامب على القضية الفلسطينية، رأى أنه من غير المتوقع ان تختلف سياسة ترامب جوهريًا بخصوص دعم الاحتلال الإسرائيلي. وعزا ذلك إلى مجموعة من الأسباب، أولًا: سيرة ترامب في إدارته السابقة في دعم الكيان الإسرائيلي بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية للقدس وقبول السيادة الإسرائيلية على الجولان وطرح ما يسمى بمشروع صفقة القرن أو خطة ترامب للقضية الفلسطينية والتي تهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية بمنح الاحتلال الإسرائيلي السيادة الكاملة والشاملة والمطلقة على كل الأراضي الفلسطينية من البحر إلى النهر وادخال العرب في حالة تطبيعية تحالفية مع الكيان الاسرائيلي من خلال ما يسمى بالاتفاقيات الابراهيمية.
كما توقع المحلل السياسي، أن يستمر ترامب في ذلك، مما يتطلب تحقيق إنجازات "إسرائيلية" على المستوى العسكري والسياسي في غزة ولبنان وربما في ايران.
وأشار إلى، أن بعض أكبر ممولي حملة ترامب هم من داعمي إسرائيل ومن ممولي اللوبي الصهيوني، ومن ثم لا يتوقع أن يكون هناك تغيير لصالح الفلسطينيين فيما يتعلق بموقع الاحتلال بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية واضح أصلا أنه لا يوجد تناقض جوهري فيما يتعلق بـ "إسرائيل" بين الإدارة الديمقراطية وإدارة ترامب.
ورأى أن هذه الإدارة ستكمل ما بدأته خلال دورتها الماضية ولن تختلف جوهريًا على ذلك الصعيد ولا سيما إذا كان دعم الاحتلال الإسرائيلي هو موقف المؤسسة الأميركية وليس موقف الإدارات المتعاقبة.
عمق تأثيرات الطوفان
وشدد عرابي على تأثيرات عملية طوفان الأقصى الكبيرة على الإسرائيليين إلى درجة أن بنيامين نتنياهو يسعى إلىتسمية هذه الحرب بحرب النهضة أو حرب القيامة.
وبين أن، ذلك يعني أنه كان هناك سقطة أو كبوة "إسرائيلية" كبيرة حصلت في السابع من أكتوبر، ونظريات الأمن الاسرائيلي تعرضت لضربة قوية جدًا، نظرية الردع الإسرائيلية تعرضت لضربة قوية.
وأشار إلى، أن الاحتلال اعتبر هذه الحرب هي حرب وجودية واستمرار لحرب الاستقلال، مبينًا أن كل هذا في تعبيرات طبعًا عن أن الإسرائيلي شعر أولا بأن صورته وقدرته على الردع تهشمت في وعي الفلسطينيين وفي وعي الاقليم وفي وعي العالم بأن "إسرائيل" قابلة للهزيمة.
واستكمل عرابي حديثه: "كان هناك دائمًا تصور أن الجيش الاسرائيلي لا يقهر وأن الاستخبارات الإسرائيلية لا تنام فتبين أن الجيش الإسرائيلي قابل للهزيمة في الحقيقة لو كان هناك ارادة وجدية وصدق فالجيش قابل للهزيمة. هذا ما أثبتته عملية السابع من أكتوبر".
وشدد على أن الاحتلال أراد أن يمحو هذه الذاكرة العربية والفلسطينية من خلال العنف الهائل والقتل الواسع والتدمير الممنهج الذي مارسه على الفلسطينية في قطاع غزة تحت شعار كي الوعي الذي يتبناه من عقود ضد الفلسطينيين لأنه دائما يريد أن يشعرهم بأن ثمن المقاومة وثمن الفعل وثمن محاولة ازالة الاحتلال أكبر من الاحتلال نفسه أو استمرار الاحتلال ذاته.
ونبه إلى، أن ثقة المجتمع الإسرائيلي تراجعت في الدولة وفي أجهزتها وفي مؤسساتها في الجيش والأمن وفي الاستخبارات، ولذلك كان الاسرائيليون أمام تحد كبير في الحقيقة لتجاوز عار السابع من أكتوبر.
وقال: "لا شك أن ضربة السابع من أكتوبر ستبقى عميقة في وعي الاسرائيليين، وأيضا يمكن أن يضاف الى ذلك أن استمرار الحرب يفتح على احتمالات، نعم الحرب مؤلمة للفلسطينيين وللبنانيين وقدرة الاحتلال على الإيلام أكبر بسبب فارق القوة وموازين القوى ولكن في الحقيقة استمرار الحرب قد يخلق تحولات وتطورات غير متوقعة لدى الإسرائيليين".
وشدد على أن عملية السابع من أكتوبر هي خطوة في الصراع مع الكيان الاسرائيلي، معركة في حرب مفتوحة مع الاحتلال، وبالتالي الثمن كبير والخسارة فادحة في قطاع غزة بالتأكيد أكبر بكثير مما دفع الإسرائيليون. لكن التقييم النهائي لذلك حينما تضع الحرب أوزارها وتتضح بشكل نهائي اتجاهات الصراع من كيان الاحتلال أين هي ذاهبة.
وأوضح، أن القضية الفلسطينية كانت تبدو كأنها تموت لأن هناك محاولات لخنقها، هناك محاولات لطمسها، وأيضا هناك انسداد فلسطيني داخلي لا يوجد وحدة وطنية، لم تنجح كل الاتفاقيات، ألغيت الانتخابات التي كان يفترض أن تكون في ٢٠٢١ كمخرج من الوضع الفلسطيني كله.
وتابع: "في وضع فلسطيني من هذا النوع مختل داخليا مختل خارجيًا لصالح الاحتلال الجميع يريد الخلاص من القضية الفلسطينية ربما كان هذا السبب في أن العملية كانت كبيرة. وربما أيضًا أن الانهيارات السريعة لجيش الاحتلال في محيط غزة جعل العملية أكبر عمقًا".
وأكد أنه، من السابق لأوانه الحديث عن نتائج نهائية للحرب، مردفًا: "الفلسطينيون في معركة مفتوحة مع الاحتلال الإسرائيلي معركة طاحنة لها أبعاد اقليمية. لأن الحرب على لبنان هي حرب عميقة هناك احتمالات بتصاعد المواجهة مع إيران ولا أحد حتى هذه اللحظة يعلم انعكاسات طوفان الأقصى سواء على الحرب المفتوحة والمستمرة لأن هذه الحرب متصلة بطوفان الأقصى".
وعن التأثيرات المستقبلية، أوضح عرابي، أنه لا أحد سوف يعلم انعكاساتها على الإقليم وانعكاساتها على أماكن أخرى للفلسطينيين، وانعكاساتها على المجتمع الاسرائيلي. مبينًا أن الأمور تسير ببطء من حيث الانعكاسات، من الممكن أن تكون لصالح الفلسطينيين ولكن الحرب ما تزال قائمة. يمكن الحديث على الأقل سياسيًا بالرغم من الثمن الكبير والفادح ولكن هذا ليس هو الثمن النهائي.
اتجاهات الحرب
وحول مسار الحرب، أوضح المختص السياسين، أن عملية طوفان الأقصى فرضت القضية الفلسطينية من جديد بعدما كانت في طور الموت. فرضت القضية الفلسطينية من جديد على الإقليم وعلى العالم، مضيفًا: "لا يمكن أن نقلل من هذا الانجاز رغم أن الثمن كبير المدفوع في غزة طالما أن القضية الفلسطينية كانت بين الموت والحياة والآن هناك انعكاس للقضية الفلسطينية من جديد. ولكن هذا ليس هو الثمن النهائي ، الثمن النهائي يتحدد في سياق رؤية وملاحظة اتجاهات الحرب القائمة".
وحول إمكانية استثمار معركة الطوفان، قال: "يجب أن نأخذ بعين الاعتبار حينما نتحدث عن الاستثمار السياسي والعسكري أن الشعب الفلسطيني بكل قواه خاضع للاحتلال وهو أضعف من الاحتلال بشكل كبير، وأن موازين القوى تميل لصالح الاحتلال، وبالتالي ما يستطيع ان يفعله الفلسطيني أن يقاوم ذلك".
وشدد على، أن القدرة على الاستثمار السياسي والعسكري لا ترتبط فقط بقدرة الفلسطينيين أو برؤية الفلسطينيين لكنها ترتبط بمجمل موازين القوى.
واستطرد في هذه النقطة، بالقول: "للأسف الشديد أن موازين القوى في السنوات الأخيرة تقريبًا مالت بشكل كامل لصالح الاحتلال مع خروج العرب من الصراع وذهابهم للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي تطبيعًا تحالفيًا. أصبح هناك تحالف بين قوى عربية أساسية والكيان الاسرائيلي، وبالتالي ضمن واقع من هذا النوع ستكون قدرة الفلسطينيين على الاستثمار السياسي والعسكري محدودة".
واستدرك: "لكن هذا لا يعني أن مقاومة الفلسطينيين خاطئة، ولا يعني أن الفلسطينيين أيضًا لم يخطئوا في جوانب ثانية. بمعنى أن حرب الابادة الجماعية كان يفترض أن تفرض وحدة وطنية مباشرة".
ولفت عرابي، إلى أن فشل مشروع التسوية كان يفترض فتح الباب للبحث عن برنامج وطني نضالي يستند إلى وحدة وطنية وإلى المجتمع الفلسطيني، مشروع الحسم في الضفة الغربية وعربدة المستوطنين كان يفترض بقيادة السلطة أن تعيد النظر في مسار التسوية كله.
وأضاف، "للأسف الشديد ندخل الشهر الثاني من العام الثاني من هذه الحرب ولم تحصل هذه الوحدة الوطنية، ولم تحصل هذه المراجعة للمسار السياسي.. أعتقد لو حصلت كان هناك موقف وطني أكثر صلابة في دعم الشعب الفلسطيني في غزة، وعدم التخلي عن المقاومة في غزة، وارجاء الخلافات الداخلية الى ما بعد انتهاء الحرب".