عجز الصهاينة في تركيع رجال المقاومة في قطاع غزة، وعجز الصهاينة في كسر إرادة رجال حزب الله، واصطدم على أرض غزة ولبنان برجال لا ترد مفردة الاستسلام في قاموسهم، ولا تراودهم مشاعر الخوف من مواجهة العدو من نقطة الصفر، وهذه معادلة جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي، الذي تجاوز حدود غزة ليصل إلى اليمن، وبحر العرب والبحر الأحمر والمحيط، وليصل إلى أرض العراق وإيران، في معادلة سياسية وعسكرية جديدة، لم يعهدها العدو الإسرائيلي، ولا يرغب باستمرارها على هذه الشاكلة، وهو العدو صاحب نظرية الحرب الخاطفة، وهو العدو غير القادر على حرب الاستنزاف، طويلة الأمد، وهو العدو غير المعتاد على أن تنقل المعركة إلى تجمعاته السكانية، والتي ظلت في مأمن من الجيوش العربية، رغم عدة حروب سابقة.
العجز الإسرائيلي في حسم المعارك في قطاع غزة وجنوب لبنان، والفشل في تحقيق النصر، كان السبب وراء استهداف المدنيين بالقصف والقتل والتدمير، واستهداف المدنيين بالنزوح من ديارهم، بحجة حمايتهم من القصف الإسرائيلي، وإبعادهم عن مواطن الاشتباك، والحقيقة أن العدو الإسرائيلي يلاحق المدنيين النازحين بالصواريخ بشكل لا يقل عن ملاحقتهم بقذائفه وهم في بيوتهم ومدنهم ومخيماتهم، ليكون استهداف المدنيين هو البديل القائم للعجز عن استهداف المقاومين، وتطويعهم، وتحقيق أدنى انتصار يسمح للقيادة الإسرائيلية بإعلان الانتصار، والتوصل لوقف إطلاق النار.
ولم يقتصر القاسم المشترك بين أهل غزة وأهل لبنان على النزوح عن بيوتهم، ولم يقتصر القاسم المشترك بينهم على وحدة الساحات، ولم يقتصر القاسم المشترك على وحدة الدم، ووحدة المصير، ووحدة الآمال والأحلام، بل صار القاسم المشترك هو عذاب النازحين ومعاناتهم، وحصارهم، وتجويعهم، في رسالة إلى كل العالم، بأن العدو الإسرائيلي لا يهتم بالرأي العام الدولي، ولا يهتم بقرارات الأمم المتحدة، ولا يعمل حساباً للأمة العربية والإسلامية، ولا يرتعب من ردة فعل الجماهير العربية، وهذا الجموح الصهيوني المدعوم من الغرب الاستعماري، وبالتحديد المدعوم من أمريكا سلاحاً ومالاً ورجالاً ومخابرات وتكنولوجيا، هذا العدو الذي انفلت من عقاله، ليستوحش على المدنيين العرب في لبنان وغزة، ما كان ليستوحش بهذا الشكل لو وجد ردة فعل عربية أو إسلامية أو إنسانية، ولكنه اطمئن للدعم الأمريكي والغربي، وراح يستبيح كل المحرمات بتغطية إرهابية من أمريكا سيدة إرهاب العالم.
مشاهد النزوح في لبنان وغزة تطرح على جامعة الدول العربية، وعلى الأنظمة العربية سؤلاً صريحاً: إلى متى تجنحون إلى المهادنة والسلم والخنوع للعدو الإسرائيلي؟ وإلى متى ترون ملايين العرب في لبنان وغزة يموتون تحت القصف، وتحت العسف الصهيوني؟
وهل أنتم تراقبون النزوح أو تباركون الفعل الصهيوني؟ وإلى متى تشترون المهانة والمذلة بالأموال العربية، والموارد العربية؟ وإلى متى تكممون أفواه الشعوب العربية، وتحولون بينها وبين الصرخة المدوية صد إرهاب العدو الصهيوني؟
نزوح الملايين من سكان غزة والضفة الغربية، وعذابهم في ترك بيوتهم المدمرة مهانة تلطخ وجه الجماهير العربية، التي تجهل حاضرها، وتغيب عن مستقبلها، وتترك عدوها، العدو الإسرائيلي ليستفرد بكل جبهة عربية على حدة، حيث أن العدوان على غزة ولبنان عابر للحدود، ويتجاوز أرض غزة ولبنان، وله ارتداداته السياسية والاستراتيجية على كل المنطقة العربية، وهذا يحتم على الجماهير العربية أن تبيت على قلق، وأن تصنع بفعلها مستقبلها، وأن ترسم بدمائها معالم مصيرها، بعيداً عن الهيمنة الأمريكية، وبعيداً عن السطوة الإسرائيلية.