كشفت صحيفة "هآرتس" العبريَّة، أسباب ارتفاع وتيرة عدد قتلى جيش الاحتلال الإسرائيلي في المعارك "الضارية" مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بالآونة الأخيرة.
وقالت "هآرتس"، إن الجيش الإسرائيلي يعترف بارتفاع عدد الحوادث التي قتل فيها جنود بعبوات ناسفة في قطاع غزة خلال الشهر الماضي مقارنة بعدد القتلى بسبب الصواريخ المضادة للدبابات أو في الاشتباكات المباشرة.
وأشارت إلى، مقتل 17 جنديًا منهم 11 قتلوا جراء عبوات ناسفة من بينهم 5 في جباليا و 3في محور نتساريم و3 في رفح جراء انفجار عبوات داخل مباني.
وعزا ضباط وجنود يخدمون بغزة -في حديث إلى هآرتس- ارتفاع عدد قتلى العبوات الناسفة إلى أسباب بينها تقنين الذخيرة الموجهة لتوفير غطاء لوحدات الاقتحام في سلاحي الحو والمدفعية، وأيضا نقل جنود وحدات هندسة متخصصة باستكشاف المباني المفخخة إلى جنوب لبنان، ناهيك عن نقص بجرافات اكتساح الألغام.
وأوضحت "هآرتس" أنه وخلال الأشهر القليلة الماضية قبيل دخول الجنود إلى المباني في قطاع غزة، اعتاد سلاح الجو الهجوم لقصف محيطها لضرب عناصر حماس والجهاد وتفجير العبوات المزروعة في المنطقة لكن في الآونة الأخيرة تم تقليص استخدام هذه الوسائل الحربية قبل دخول القوات إلى المباني ".
وحسب هآرتس كان من نتائج هذا التقنين الشديد اضطرار القوات إلى تدبر حلولها الخاصة لتقليل الخطر الذي تتعرض له، بما فيها استخدام مدرعات "انتحارية" كتلك التي أخرجت من الخدمة، بحيث تشحن بمتفجرات يؤدي تفعيلها في مناطق القتال إلى إحداث هزات قوية تفعل بدورها أي عبوات مزروعة.
وأكد مسؤولون كبار أن القيادة الجنوبية شرعت في استخدام هذا الأسلوب الذي وصفه ضابط قاتل في جباليا مؤخرا -في حديث لهآرتس- بغير الفعال مقارنة بغطاء القصف الجوي، إذ لا يفعل انفجار المدرعات "الانتحارية" حسبه شحنات العبوات المزروعة بالطوابق العلوية والغرف الداخلية للمنازل وفي بيوت الدرج (أو بئر الدرج).
وأكدت أن الجيش الإسرائيلي يتعامل مع اقتصاد تسليح ضيق بسبب العقوبات المفروضة على "إسرائيل" من قبل الدول التي تزوده بالسلاح وبسبب النشاط البري في لبنان الذي أصبح الآن يحظى بالأولوية حتى الآن .
ونقلت هآرتس عن قادة كبار بالجيش قولهم إن الجيش اضطر إلى إيجاد حلول بديلة لتقليل المخاطر على حياة الجنود، على سبيل المثال يتم استخدام ناقلات جند مدرعة لزرع المتفجرات ووضعها في ساحات القتال لإحداث انفجارات قوية لإحداث هزات كبيرة من شأنها تفجير عبوات مزروعة داخل المباني (في إشارة للمكعبات المتفجرة التي كانت توضع لنسف المنازل).
وأكد مسؤولون كبار في الجيش الإسرائيلي أن القيادة الجنوبية بدأت في استخدام هذا الإجراء، لكن قائد قاتل في جباليا شمال غزة، مؤخرا قال للصحيفة: إن هذه التفجيرات ليس بنفس فعالية قصف سلاح الجو، الانفجار لا يتسبب في تفعيل العبوات التي تم زرعها في الطوابق العليا وفي الغرف الداخلية داخل المنازل وفي السلالم (..) هذه التفجيرات كانت فقط تلحق ضررا كبيرا بواجهة المباني فقط.
وقالت هآرتس، إنه وإلى جانب تحدي التسلح، يكشف الجيش الإسرائيلي إلى أن وحدة الكلاب البوليسية فقدت الكثير من الكلاب التي تستخدم في كشف المتفجرات، وأصيبت بعضها وقتلت بينما أصيب بعضها بالإرهاق نتيجة النشاط العملياتي الزائد ما جعلها غير لائقة للعمل.
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه لا يوجد بديل لهم في الوقت الحالي، بالإضافة إلى ذلك، يدعي الجيش أنه اضطر إلى تكليف جنود في سلاح الهندسة القتالية للقتال في جنوب لبنان والذين لديهم خبرة في تحديد المباني التي يكون فيها احتمال العثور على متفجرات مرتفعا.
وأضاف كبار المسؤولين العسكريين أن هناك نقصا في مشغلي الجرافات D9، والتي تستخدم أيضا لتحديد مكان المتفجرات وتدميرها قبل دخول القوات ومن هنا بدأ الجيش بتدريب الجنود على تشغيل الأدوات الهندسية.
وفي وقت سابق، أبرز محللون "إسرائيليون" تحديات المواجهات المتصاعدة في منطقة جباليا، شمالي قطاع غزة، حيث يواجه الجيش مقاومة شرسة رغم محاولاته المتكررة لاقتحام المنطقة.
وذكرت القناة الـ13 الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي يدفع "ثمنا باهظا" في عملياته العسكرية على الحدود الشمالية والجنوبية.
ولفتت إلى أن حصيلة الاشتباكات الأخيرة في غزة شملت مقتل 3 جنود إسرائيليين، بينما شهدت الجبهة الشمالية مع حزب الله مقتل 10 جنود، وإصابة عشرات آخرين في معارك متفرقة على مدار اليوم الماضي.
أما هيلل بيتون روزين، مراسل الشؤون العسكرية في قناة 14، فقد كشف عن تفاصيل إضافية تتعلق بالخسائر في صفوف الجيش، موضحا أن 5 جنود إسرائيليين قُتلوا عشية العيد، في حين سقط 5 آخرون ظهر اليوم التالي.
وتطرق نير دفوري، مراسل الشؤون العسكرية في قناة 12، إلى حادثة نوعية أخرى، حيث باغتت خلية فلسطينية قوة إسرائيلية كانت تقوم بتمشيط موقع في غزة، بعد أن خرجت الخلية من نفق بالمنطقة، مما أدى إلى وقوع عدد من القتلى والجرحى بين صفوف الجنود نتيجة الهجوم المفاجئ.
وفي السياق ذاته، أشار أور هيلر، مراسل الشؤون العسكرية في القناة 13، إلى "حدث قاسٍ" وقع في جباليا صباح اليوم، حيث انفجرت عبوة ناسفة كبيرة بدبابة من اللواء 460 أثناء هجوم للفرقة 162.
وأوضح أن العبوة انفجرت خلال مرور الدبابة، مما أدى إلى مقتل 3 من أفراد طاقمها، مضيفا أن الجيش الإسرائيلي يعاني من ضغوط متزايدة في جباليا، رغم نشر 3 ألوية لمواجهة المقاومة الشرسة التي تشمل استخدام صواريخ مضادة للدروع وعبوات ناسفة، وزرع الفخاخ لاستهداف القوات الإسرائيلية.
من جانبه، تحدث ينون شالوم يتح، مراسل الشؤون العسكرية في قناة أي 24، عن تعقيدات المواجهات في جباليا، حيث تواجه قوات الجيش مقاومة غير مسبوقة في ظل رفض السكان المحليين إخلاء المنطقة، مرجعا ذلك إلى رمزية جباليا لدى سكان غزة الذين يعتبرون سقوطها بمثابة سقوط للقطاع بأكمله.
وأضاف يتح أن الجيش الإسرائيلي عاد لمحاولة اقتحام جباليا للمرة الثالثة، لكن المنطقة لا تزال مليئة بالعبوات الناسفة والألغام، وتحصيناتها المعقدة تجعلها تحديا كبيرا أمام القوات، إذ يواجه الجيش نقاط مراقبة للمقاومة الفلسطينية تستهدف تقدمه بشكل دقيق.
في مقالٍ غير متوقع، دعا الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، غيورا آيلاند، مقالا في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إلى وقف الحرب على غزة.
يأتي ذلك، تزامنًا مع إقرار آيلاند، بفشل "خطة الجنرالات" أمام صمود وثبات أهل غزة، ويقر بعدم قدرة "إسرائيل" تحقيق النصر على حماس، في ظل العملية العسكريَّة التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جباليا وشمال قطاع غزة.
وبدا أن ذريعة آيلاند لتغيير موقفه هي ضرورة تحرير الأسرى المحتجزين في غزة، وطالب بتحسين شروط اتفاق تبادل الأسرى الذي لا تزال المفاوضات حوله في حالة جمود.
وكتب آيلاند، في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، "ربما بالإمكان محاولة تحسين شروط الصفقة، وخاصة بما يتعلق بعدد المخربين (الأسرى في سجون الاحتلال) الذين يجب تحريرهم مقابل أي مخطوف على قيد الحياة، لكن لا ينبغي الإصرار على تفاهات، وخصوصا ليس على (محور) ’فيلادلفيا’".
وعدد آيلاند أربعة أسباب أخرى، عدا "الحاجة الماسة لإنقاذ المخطوفين"، التي تجعل وقف الحرب "خطوة صحيحة":
"أولا، المستهدفون في جانبنا. قبل 13 شهرا كان الجمهور الإسرائيلي كله يبكي لأيام على أي جندي قتيل. ويبدو أننا فقدنا هذه المشاعر. وأصبح قلبنا فظا حيال موت الجنود، أفضل أبناءنا. وتوقفنا كليا عن التأثر بالمصابين بجروح خطيرة، لكن هؤلاء شبانا يفقدون أطرافهم، أو نظرهم، وتدمر عالمهم".
"ثانيا، العبء الجنوني على الجنود، أولئك الذين في الخدمة الإلزامية ولكن بالأساس جنود الاحتياط، الذين الوضع الاقتصادي للكثيرين منهم صعب. وسيبقى العبء على الجنود مرتفع في جميع الأحوال، لكن يفضل تخفيفه بقدر الإمكان".
"ثالثا، العبء الاقتصادي. وتكلفة يوم القتال تزيد عن نصف مليار شيكل. وصحيح أن المجهود الأساسي الآن في لبنان، لكن أي شيكل نبذره اليوم سينقصنا جدا غدا".
"رابعا، يتوق العالم كله إلى إنهاء الحرب في غزة. ويوجد تفهم أكثر في العالم لماذا تحارب إسرائيل في لبنان، وكذلك ضد إيران مباشرة، لكن لا أحد يفهم ما الذي نريد تحقيقه في غزة".
وأضاف آيلاند أنه "إذا واصلنا القتال في غزة لنصف سنة أخرى، أو سنة، فإن هذا لن يغير الواقع هناك. وسيحدث أمران فقط: سيموت جميع المخطوفين ويقتل المزيد من الجنود.
ومضى آيلاند أن "حربا هدفها إزالة تهديد هي حرب ضرورية وتبرر الأثمان الباهظة المرتبطة بها أيضا. لكن ليس هذا هو الوضع في غزة. ولا يمكن تأجيل إعادة المخطوفين. ولذلك، ينبغي التطلع إلى إنهاء الحرب في غزة. ولدينا سبع جبهات أخرى، بضمنها حدود الأردن. وحان الوقت كي نحاول إنهاء الحرب في أي مكان يكون فيه الثمن أعلى من الفائدة".
وخلص آيلاند إلى أنه "للأسف الشديد، الحكومة الإسرائيلية لا تعمل وفقا لهذا المنطق، وحتى أنها لا تعقد مداولات بهدف اتخاذ قرار بين بديلين: استمرار الحرب في غزة حتى ’الانتصار النهائي’، أو الاستعداد لإنهاء الحرب في غزة مقابل إعادة المخطوفين".
يأتي ذلك، تزامنًا مع إقرار آيلاند، بفشل "خطة الجنرالات" أمام صمود وثبات أهل غزة، ويقر بعدم قدرة "إسرائيل" تحقيق النصر على حماس، يأتي ذلك تزامنًا مع العملية العسكريَّة التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جباليا وشمال قطاع غزة.
وقال غيورا آيلاند للقناة ١٢ العبرية، إنه وفي إطار القتال الحالي، لن تحقق (إسرائيل) "النصر المطلق" في غزة ولبنان، فحماس وحزب الله لن يستسلما، وسيكون هناك دائماً مَن سيواصل إطلاق النار.