مع ساعات الفجر الأولى، ودون سابق إنذار، انطلقت طائرات الاحتلال الأمريكية المقاتلة، تحمل أسفل أجنحتها الصواريخ الفتاكة، وفي لمحة البصر، أطلقت حممها في سماء بلدة بيت لاهيا مستهدفة بيت عائلة أبو النصر وبيوت مجاورة، محولة إياها لكومة من ركام.
دون وازع أخلاقي، أو ضمير حي، يشير إلى ما يمكن أن تحتوي هذه البيوت من أطفال ونساء وشيوخ ورجال هربوا من نيران الحرب، قبل أن تضرب بالصواريخ، ألقيت حمم الموت الإسرائيلية مخلفة وراءها المئات من الشهداء والجرحى، وحالة من الجراح التي لا تلئم.
ومع بزوغ أولى تباشير الصباح، استيقظ العالم أجمع على فاجعة بيت لاهيا، حيث من نجى من المجزرة أو المذبحة يندب حول مئات الجثث المتراصة الملفوفة بالأغطية والأكفان البيضاء.
في مجزرة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، تتلخص مسيرة دموية جديدة لنتنياهو وجيشه، تجاوزت مدى كل الإبادات التي جرت في أماكن أخرى من العالم وعبر التاريخ، ولا تشكل قطرة من مذابح الفلسطينيين على أيدي الإسرائيليين منذ بداية القرن الماضي حتى الآن.
اقرأ أيضا: المجازر "الإسرائيلية" في غزة.. بحرٌ من الدماء والأشلاء
وثقت كاميرات النشطاء في شمال قطاع غزة، ومع بزوغ النهار، استهدف خمسة منازل على رؤوس ساكنيها، بالصواريخ المحرمة دوليا، كانت تضم في جنباتها نحو 200 مواطنا ونازحا.
وبحسب ما أشارت إليه مراصد حقوقية دولية فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي نفذّ مجزرة بيت لاهيا شمال قطاع غزة فجر الثلاثاء باستخدام قنبلة أمريكية من نوع MK-84 تزن 908 كيلوجرامات.
وبحسب آخر تحديث فإن أكثر من 105 شهداء قضوا في هذا الاستهداف، والمئات من الجرحى، دون أن يرمش جفن لإسرائيل أو أن يرتعد ضمير حي في قلب هذا العالم الصامت.
ولم تكن مجزرة بيت لاهيا وحيدة في سلسلة مجازر الاحتلال ودمويته خلال الحرب، بل لم تكن بعيدة حتى زمنيا عن مجازر أخرى تم ارتكابها بكل وحشية ودموية في شمال قطاع غزة، حيث لم تبعد زمنيا سوى 6 أيام عن مجزرة جباليا، في 24 أكتوبر والتي استشهد فيها أكثر من 150 ما بين شهيد وجريح جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي 11 منزلا في المخيم، وذلك بعد ساعات من مجزرة أخرى ارتكبها الاحتلال في النصيرات، بالإضافة إلى إعدام 11 طفلا بالمغازي.
جاءت مجزرة بيت لاهيا الجديدة ضمن حرب إبادة وتطهير عرقي لليوم الـ25 على التوالي، على أهالي شمال قطاع غزة، فيما يتواصل التوغل والقصف الإسرائيلي لمناطق مختلفة من محافظة شمال غزة بالتزامن مع استمرار مساعي الجيش لإفراغ المنطقة من ساكنيها عبر الإخلاء والتهجير القسري.
وفي 5 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات قصف غير مسبوق لمخيم وبلدة جباليا ومناطق واسعة شمالي القطاع، قبل أن يعلن في اليوم التالي بدء اجتياحه لها بذريعة "منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة"، بينما الحقيقة التي يدركها الفلسطينيون في شمال القطاع أن (إسرائيل) ترغب في احتلال المنطقة وتهجير سكانها وتنفيذ خطة الجنرالات.
وبدعم أمريكي، تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، حرب إبادة جماعية على غزة خلفت أكثر من 143 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل تل أبيب هذه الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.