تعدّدت التكتيكات العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية خلال معركة "طوفان الأقصى" وبرزت أشكالها العديدة في صد ومواجهة التّوغلات البرية العسكرية "الإسرائيلية" لمدن وأحياء قطاع غزة.
ولإفشال "خطة الجنرالات" الإسرائيلية التي يحاول جيش الاحتلال تطبيقها شمال قطاع غزة (جباليا، بيت لاهيا، بيت حانون)، لجأت المقاومة إلى تكتيك "تفخيخ المنازل" و"الكمائن العسكرية" و"العبوات المتفجرة" خارج الأحياء السكنية.
وبرزت هذه التكتيكات أكثر من غيرها على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية التي تعمل فيها قوات الجيش في محيط بلدة جباليا، وهي المرة الثالثة التي تعود فيها إلى البلدة ومخيمها منذ بداية الحرب أكتوبر 2023.
وشمل جزء من العملية فرض الحصار الكامل وإجبار آلاف السكان قسرا على النزوح لمدينة غزة، ومنع دخول الإمدادات والمساعدات الغذائية والماء للمتبقين وكذلك الوقود للمستشفيات ومحطات تحلية المياه.
وارتكب جيش الاحتلال سلسلة مجازر دامية عبر إلقاء براميل متفجرة من طائرات حربية صوب الأحياء السكنية عدا عن إدخاله روبوتات ومكعبات محملة بالمتفجرات لنسف تلك الأحياء التي لا يزال سكانها باقون فيها.
مؤشرات الفشل
ورغم ذلك، كشفت كتائب القسام في مقاطع مصورة عن سلسلة "عمليات دفاعية" و"كمائن عسكرية" ونصب "عبوات تفجيرية" لآليات جيش الاحتلال ومدرعاتها قبيل دخولها الأحياء السكنية أو أثناء القتال.
وتمكّن مقاتلون من القسام من قتل قائد اللواء المدرع 401 الإسرائيلي العقيد إحسان دقسة، الأسبوع الماضي، عندما خرج من دبابته في محيط جباليا للتحدث إلى قادة آخرين في نقطة مراقبة.
وخلال تواجده خارج دبابته، فجّر مقاومو القسام عبوة ناسفة زرعت سابقًا فقتلت اللواء دقسة وأصابت ضابطًا آخرًا بجروح خطيرة، ليصبح من بين أكبر القادة العسكريين الذين قتلوا في غزة منذ اندلاع الحرب.
وأقر مراسل الشؤون العسكرية لـ "قناة أي 24" ينون شالوم يتح، بتعقيدات المواجهات في جباليا، مؤكدًا أن الجيش يواجه مقاومة غير مسبوقة في ظل رفض الأهالي النزوح.
وذكر أن الجيش عاد لمحاولة اقتحام جباليا للمرة الثالثة خلال الحرب، لكن المنطقة لا تزال مليئة بالعبوات الناسفة والألغام.
وأشار المراسل العسكري إلى أن الجيش يواجه نقاط مراقبة للمقاومة تستهدف تقدمه بشكل دقيق الأمر الذي يجعل تلك التحصينات تحديا كبيرا أمام القوات البرية.
وفي هذا السياق، تحدث مراسل الشؤون العسكرية للقناة 13 العبرية أور هيلر عن "حدث قاسٍ" وقع في جباليا، أمس، حيث انفجرت عبوة ناسفة كبيرة بدبابة من اللواء 460 أثناء هجوم للفرقة 162.
وأوضح أن العبوة انفجرت خلال مرور الدبابة مما أدى إلى مقتل 3 من أفراد طاقمها، مؤكدا أن الجيش يعاني من ضغوط متزايدة في جباليا رغم نشر 3 ألوية لمواجهة "المقاومة الشرسة" التي تشمل استخدام صواريخ مضادة للدروع وعبوات ناسفة وزرع الفخاخ لاستهداف القوات الإسرائيلية.
أمر غير متوقع
ورأى الخبير العسكري اللواء يوسف الشرقاوي، أن صمود المقاومة والسكان شمال غزة أمرا "لم يكن متوقعًا" بهذه الدرجة، مشيدًا بتكتيكات فصائل المقاومة الدفاعية ضد الخطة الإسرائيلية.
وأكد الشرقاوي لـ"فلسطين أون لاين" أن فشل "خطة الجنرالات" "أمر وارد جدا" في ظل عمليات المقاومة "الموجعة" وتنوع تكتيكاتها العسكرية وصمود السكان عدا عن تراجع معد الخطة (الإسرائيلي) عنها.
وبعد وضعه لخطة الجنرالات، حدد رئيس مجلس الأمن القومي "الإسرائيلي" الأسبق غيورا آيلاند، 4 أسباب تستوجب إنهاء الحرب في غزة، مشيرا إلى أن استمرارها لمدة ستة أشهر أخرى أو سنة "لن يغير الواقع هناك".
وأشار الشرقاوي إلى أنه حتى اللحظة لا تقدم "إسرائيلي" عملياتي في الخطة العسكرية شمال غزة سوى الدمار والخراب.
وذهب إلى ذات الرأي، المحلل السياسي ياسين عز الدين الذي اعتبر الفشل مصيرًا محتومًا للخطة العسكرية.
وأوضح عز الدين في حديثه لـ"فلسطين أون لاين"، أن الخطة "الإسرائيلية" الإجرامية تستهدف المدنيين أولًا وأخيرًا؛ كسياسة عقاب لهؤلاء لصمودهم في شمال غزة.
واعتبر انسحاب آليات الاحتلال جزئيًا خلال الأيام الماضية من بعض مناطق شمال غزة؛ نتيجة فشل الخطة العسكرية أمام عمليات المقاومة وتكتيكاتها المتعددة.
وقال: "ليس واضحًا هل تخلّى الجيش عن الخطة نهائيًا أم سيحاول مجددًا توسيع القتال؟".
ورأى عز الدين أن "خطة الجنرالات" لم تقدم حلولًا للجيش للتعامل مع المقاومين الذين يواصلون عملياتهم في الميدان وخاصة في ظل حالة استنزاف الجيش وخسائره البشرية أمام المقاومة في لبنان.
قتال استنزافي
وتعليقًا على مجريات العملية، قال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا إن جيش الاحتلال لم ينجح حتى الآن في التوغل داخل مخيم جباليا، مشيرًا إلى أن عمليات المقاومة لعبت دورًا كبيرًا في تأخير تقدمه.
وأوضح حنا، في مداخلة تلفزيونية عبر قناة الجزيرة الفضائية، أن المقاومة وضعت خطة مسبقة تعتمد على مواجهة الاحتلال خارج المخيم لتوفير مساحة زمنية تؤخر توغله، مستفيدة من تضاريس المنطقة لزرع الكمائن واستهداف القوات الإسرائيلية بفعالية.
وأشار إلى أن المقاومة نجحت في فرض قتال استنزافي حول محيط جباليا، حيث استخدمت تكتيكات متقدمة توائم بيئة المعارك، بما في ذلك الكمائن والقنص واستهداف الآليات العسكرية بعبوات ناسفة وأسلحة مختلفة.
وأكد أن العملية الحالية بمثابة "معركة حياة أو موت" بالنسبة للمقاومة، وهي كذلك معركة حيوية بالنسبة للجيش الذي يسعى إلى التوغل والسيطرة على المنطقة بالكامل، مما يجعل هذا الصراع صعبا ومعقدا.
ولفت إلى أن الجيش أدخل "فرقة ناقص" (أقل من فرقة عسكرية بقليل) تتكون من لواءين مدرعين هما لواء 460 ولواء 401، والتي تعرض قائدها للقتل خلال المواجهات، إضافة إلى لواء (غفعاتي) للمشاة.
وتتكون الفرقة من أكثر من لواء، وتضم وفق المعايير العسكرية أكثر من 10 آلاف جندي.
ويعتمد جيش الاحتلال بحسب الخبير العسكري على معدات ثقيلة تشمل جرافات "دي 9" وآليات هندسية لمساعدته في اجتياح المناطق السكنية التي تتمركز فيها المقاومة.
وذكر أن سر نجاح المقاومة يكمن في توفيرها ملاذا آمنا لمقاتليها، وإتقانها لعنصري الزمان والمكان، فضلا عن البنية اللوجستية التي تدعم صمودها المستمر وعزيمة المقاتلين التي تلعب دورا محوريا في مقاومة الاحتلال.
ورأى العميد حنا أن المعركة الحالية تمثل اختبارا للإرادة والإستراتيجية لدى الطرفين، حيث يسعى جيش الاحتلال لتفريغ شمال القطاع من المقاومة في حين تعمل الأخيرة على إفشال هذه المحاولات عبر التصدي للتوغل باستخدام أساليب فعالة ومنظمة.