فلسطين أون لاين

"وردة" شهيدةٌ عادتْ للحياة من ثلّاجة المَوتى.. ما حكايتُها؟ (صورة)

...
صورة أرشيفية
غزة - نبيل سنونو

"لمن هذا الكفن؟"، سؤال كسهم ثاقب طرحته الشّابة وردة مصلح بصدمة على أهلها بعد أن أخرجت من العناية المركزة وقبلها من ثلاجة الموتى.

كانت إجابة هذا السؤال تحمل قصة لا تعلم وردة من تفاصيلها شيئًا منذ أن قصف الاحتلال بيتها في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بغزة.

"كنت عايشة بأمان الله ومبسوطة كل حياتي حلوة، لكن في ذلك التاريخ قصف العدو الصهيوني منزلي وأنا أسكن في الطابق الرابع، ولقوة برميل المتفجرات طرت للأرض"، تستجمع وردة خيوط قصة فاصلة بين الحياة والموت في حديثها مع "فلسطين أون لاين".

حرق القصف جسد وردة، وأحست بشعرها وقد أمسكت به النيران، وسقط رأسها أرضًا.

لساعتين ظلت وردة تحت الركام، قبل أن يتمكن الناس من اكتشاف وجودها وينتشلوها، لتنقل إلى مستشفى الشفاء، وفي طريقها إلى المستشفى أجرى المسعفون محاولات لإنعاشها بما في ذلك التنفس الصناعي دون جدوى.

وردة.jpg

"استشهدت وردة" كما أيقن مسعفوها، وألبست كفنًا وأدخلت إلى ثلاجة الموتى، وحضر أهلها وأحبابها لوداعها.

في تلك الفترة استشهد عم زوجها متأثرًا بإصابته بشظية سببت له نزيفًا داخليًا، وأحضروا جثمانه لوضعه في ثلاجة الموتى، وهنا كانت المفاجأة.. وردة لم تمت، بل تتنفس وتتحرك.

نقلت الشابة إلى العناية المركزة، وهناك أبلغ الأطباء ذويها بأنها ستستشهد على الأرجح نظرًا لعدم استقرار دقات قلبها وطلبوا منهم الدعاء لها بالرحمة.

انهمك الأهل بالدعاء لابنتهم التي حبسوا أنفاسهم طويلًا في انتظار شفائها، وهم يرددون: "الله يشفيك يا وردة".

كان ذلك في ظل قصف عنيف تشنه طائرات الاحتلال في مختلف أنحاء قطاع غزة، إلى جانب تهديد المستشفيات وفي مقدمتها مجمع الشفاء الطبي.

مرت ثلاثة أيام ثقال ترقب فيها الجميع مصير وردة، إلى أن تقرر إخراجها من العناية المركزة في مؤشر إلى الأمل ببقائها على قيد الحياة.

لم تكن وردة تدرك بعد ما الذي حدث معها، لكنها في الغرفة العلاجية التي انتقلت إليها لمحت كلمة "شهيدة" وكفنًا.

سألت أهلها: "هو انتوا ملبسيني كفن؟ شو صار معايا؟ وكفن مين هدا؟".

طلب منها ذووها التغافل عن هذه الأسئلة لكنها صممت على معرفة حقيقة هذا الكفن.

"هذا كفنك.. وأنت استشهدت (كما كان يعتقد)"، هذه هي إجابة أهلها الذين أخبروها بقصة كانت هي بطلتها.

انصدمت وردة التي لم تتوقع حدوث ذلك معها، وقالت لأهلها: "مستحيل.. أنا أعرف أن من يستشهد ينقل إلى القبر مباشرة ولا يحدث معه ما حدث معي".

لكن أهلها ذكروها بأن الله يحيي العظام وهي رميم، فردت: "الحمد لله أن ربي يحبني"، وأجهشت بالبكاء.

"عندما ابتلاني الله بهذا الابتلاء فهو سبحانه يعلم كم أنا صابرة وعندي العزيمة والقدرة على تحمل هذه الحياة"، تواسي الشابة نفسها بهذه الكلمات.

لكن هذا الوجع الغائر في جسد و"روح" وردة ليس الوحيد، وكأن مصيبة واحدة لا تكفي، فنجلها براء استشهد ولا يزال جثمانه تحت الأنقاض.

غير أن "أم براء" تبدو صابرة على ألم فراق ابنها، وهي تؤمن بأن "براء ذهب عند من خلقه".

وتمكنت وردة من السفر للعلاج في مصر، قبل إغلاق الاحتلال "الإسرائيلي" الجانب الفلسطيني من معبر رفح، المتنفس الوحيد الغزيين على العالم الخارجي، في مايو/أيار.

وفي نظر وردة التي تستكمل علاجها في مصر فهي بمقاومتها الإصابة تنتقم من الاحتلال "الإسرائيلي" الذي أراد لها الموت، وتبدي أملها في أن تعرف كل الشعوب العربية قصة "وردة الشهيدة الحية التي رابطت وصابرت".

ووردة واحدة من 100833 مصابًا غزيًا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مع استمرار حرب الإبادة الجماعية التي أسفرت عن استشهاد 42924 مواطنا، وفق إحصاءات وزارة الصحة بغزة.

"كل ما يحدث معي فداء لبلدي: ابني، وصحتي وحياتي التي تدمرت، الحمد لله أنني من فلسطين وأفتخر بأنني ابنتها"، تممت وردة حديثها.

هكذا عادت وردة كطائر عنقاء للحياة، دون أن تمل أو تلين طالما كان ذلك في سبيل وطنها.