فلسطين أون لاين

"الياسين" و"الرّنتيسي" و"هنية" و"السّنوار" .. المنصب والمصيرُ المشترك

...
غزة/ محمد عيد

جمع المنصب والمصير المشترك رؤوساء حركة المقاومة الإسلامية "حماس" عبر سنوات متفاوتة من تاريخ الحركة الفلسطينية العملاقة في صراعها الممتد مع الاحتلال "الإسرائيلي" الغاصب لأرض فلسطين المباركة.

 

وليس غريبًا ذلك على حركة مقاومة فلسطينية خضع مؤسسها وثلاثة رؤساء للمكتب السياسي للإبعاد القسري والسجن ومحاولات الاغتيالات المتكررة وصولًا لخاتمة الشهادة.   

 

وارتقى المؤسس الأول لحركة حماس الشيخ أحمد ياسين شهيدا فجر 22 مارس/آذار 2004 أثناء خروجه من تأدية صلاة الفجر في مسجد المجمع الإسلامي بمدينة غزة.

 

وأطلقت طائرة أباتشي تحت إشراف رئيس وزراء الاحتلال آنذاك أرئيل شارون، 3 صواريخ عليه وهو (68 عاما) على كرسيه المتحرك.

 

وللشيخ مقولات شهيرة، منها "أملى أن يرضى الله عني" و"بدنا أولادنا يروحوا غصب عنهم (الاحتلال)" وذلك في إشارة لتحرير الأسرى، كما تنبأ بزوال (إسرائيل) عام 2027م.

 

وعقب اغتيال الشيخ الياسين أثناء أوج الانتفاضة الفلسطينية الثانية، تولى د. عبد العزيز الرنتيسي في اليوم التالي 23 مارس/ آذار 2004 قيادة الحركة في غزة بـ(الانتخاب) خلفًا للشيخ الشهيد.

 

والرنتيسي طبيب أطفال وسياسي مخضرم، عرف بشخصيته وخطاباته الجماهيرية القوية، ولا تزال الذاكرة الفلسطينية زاخرة بها.

 

ووقف الرنتيسي مرات عديدة أمام الجماهير الفلسطينية الثائرة، وخطب فيهم بحماس قائلا "إن عدونا لا يفهم إلا لغة واحدة .. هي لغة الحراب"، "إن ألفي قذيفة من كلام لا تساوي قذيفة من حديد"، "إن الطريق الوحيد الذي يفهمه العدو هو طريق الرشاش".

 

وللقيادي التاريخي مقولة شهيرة أيضا: "هل نحن خائفون من الموت؟.. إنه الموت سواء بالقتل أو بالسرطان.. نحن جميعًا ننتظر آخر يوم في حياتنا.. لن يتغير شيء.. سواء أكان بالأباتشي أو السكتة القلبية.. الموت واحد.. أنا أفضل الأباتشي".

 

وخلال أقل من شهر من توليه قيادة حماس، اغتال الاحتلال في 17 أبريل/نيسان 2004 الملقب بـ "أسد فلسطين" عبر صاروخ من طائرة أباتشي أطلقته نحو مركبته في مدينة غزة.

 

وبعد اغتيال الرنتيسي، امتنعت حماس عن إعلان اسم من يخلف القائد الشهيد في الداخل الفلسطيني، حفاظاً عليه من الاستهداف "الإسرائيلي" حتى عام 2007.

 

في ذاك العام، أصبح إسماعيل هنية قائد حركة حماس في قطاع غزة.

 

وفي 1 أبريل 2013 أعيد انتخاب خالد مشعل رئيسًا للحركة ومكتبها السياسي الذي تعرض لمحاولة اغتيال "إسرائيلية" عبر "السم" في العاصمة الأردنية يوم 25 سبتمبر 1997.

 

اختار مجلس شورى حماس يوم 6 مايو/ أيار 2017 ابن مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينية، القائد هنية، رئيسًا للمكتب السياسي وذلك بعد انتخابات متزامنة أجريت في العاصمة القطرية الدوحة وغزة.

 

وتقلد هنية قبل ذلك رئاسة الوزراء للحكومة الفلسطينية العاشرة منذ 27 مارس/ آذار 2006 حتى 17 مارس/ آذار 2007، وقال عن ذلك "أنا شخصيًّا بصفتي رئيسًا للوزراء أتشرَّف بالانتماء إلى حركة المقاومة الإسلاميـة حماس".

 

وشغل هنية سابقًا رئيس مكتب الشيخ الياسين، ووقف في محطات عديدة أمام الجماهير الفلسطينية للتأكيد على الثوابت الوطنية.

 

وتداولت الأجيال الفلسطينية أبرز خطاباته: "لن تسقط القِلاع، ولن تُخترق الحصون، ولن يَخطفوا منا المواقف بإذن الله الواحد القهار"، و"لن نعترف .. لن نعترف .. لن نعترف بـ(إسرائيل)".

 

وللتأكيد على خطى أسلافه على ذات النهج، قال: "نحن قوم نعشق الموتَ كما يعشق أعداؤنا الحياة. نعشق الشهادةَ على ما مات عليه القادة".

 

وقصفت طائرات الاحتلال يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حفيدة هنية أثناء تواجدها في مدرسة تؤوي النازحين، وبعد نحو 10 أيام استشهد الحفيد الأكبر لهنية بعد تنفيذ ضربة جوية "إسرائيلية" على منزله.

 

واغتال الاحتلال 3 من أبناء هنية يوم 10 أبريل/نيسان 2024 كانوا على متن سيارة مع 5 من أبنائهم لأداء صلة الرحم وتهنئة السكان بمناسبة عيد الفطر المبارك.

 

وبعد ثلاثة شهور، وفي خضم معركة (طوفان الأقصى) وتحديدًا فجر 31 يوليو/تموز 2024 اغتال الاحتلال هنية في العاصمة الإيرانية داخل مقر إقامته.

 

وفي اليوم التالي شيع هنية شعبيًا ورسميًا في طِهران، وصُلِّي عليه بحضور المرشد الأعلى علي خامنئي، ونقل لاحقًا بطائرة إلى الدوحة التي صُلِّي عليه فيها صلاة الجنازة بعد صلاة الجمعة في 2 أغسطس 2024 في جامع محمد بن عبد الوهاب.

 

وحضر الجنازة أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني ووالده الأمير السابق ووفود رسمية من تركيا وقيادات الفصائل الفلسطينية ومن منظمات إسلامية وحضور شعبي كثيف ثم دُفن في مقبرة الإمام المؤسس في لوسيل شمال الدوحة.

 

وفي مفاجأة غير متوقعة، أعلنت حركة حماس بتاريخ 6 أغسطس/ آب 2024م تعيين قائدها في غزة ابن "مخيم خان يونس" يحيى السنوار رئيساً جديداً لمكتبها السياسي، خلفا لهنية.

 

فاز برئاسة حركة حماس لقطاع غزة وذلك في انتخابات داخلية عام 2017م، ولاحقا في انتخابات 2021م.

 

والقائد السنوار أضحى منذ بدء معركة (طوفان الأقصى) 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023م اسما ضمن العناوين الكبرى لوسائل الإعلام العالمية، وتتهمه (إسرائيل) بأنه (مهندس الطوفان) غير المسبوق على الدولة العبرية.

 

اتهمته المؤسسة الأمنية "الإسرائيلية" عدة مرات خلال العام الأول للحرب المستمرة أكتوبر 2023 حتى أكتوبر 2024م بالاختباء داخل أنفاق حماس برفقة عائلته، وتارة أخرى بالاختباء بين الجنود الأسرى "الإسرائيليين" المحتجزين بيد المقاومة في غزة.

 

وعلى مدار عام كامل من البحث "الإسرائيلي" والأمريكي والبريطاني في سماء غزة عن "طرف خيط" يمتد لمكان تواجد السنوار إلا أن الأخير ارتقى شهيدًا مشتبكًا مع قوات الاحتلال المتوغلة في حي السلطان غرب مدينة رفح.

 

ونسف المقطع الأخير للشهيد المشتبك وهو يقاتل حتى الرمق الأخير ويرتدي سترته العسكرية، جميع الروايات "الإسرائيلية" الزائفة وحطم حلم رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي روج الأكاذيب نحو "قائد الطوفان".

 

وكشفت صور ومقاطع فيديو سربها جنود الاحتلال للقائد المصاب بجرح عميق محاولته صد طائرة مُسيرة باستخدام عصا في يده.

 

وطالما تمنّى الأسير المحرر، الشهادة، وتحدث في إحدى مقاطع الفيديو: "أكبر هدية ممكن يهديها العدو والاحتلال لي أنه يغتالني... وهو أنه أن أمضي إلى الله سبحانه وتعالى شهيداً".

 

وبالنسبة للكثيرين، أصبح رئيس المكتب السياسي لحماس مثالًا يحتذى لأجيال قادمة، وأثارت اللحظات الأخيرة في حياته شعورا بالفخر والعزة بين الفلسطينيين والكثيرين من العرب والمسلمين والأحرار في العالم.