بذريعة القضاء على قدرات حماس العسكرية، شرع جيش الاحتلال "الإسرائيلي" بعمليته الواسعة شمال قطاع غزة، غير أن الوقائع الميدانية تدلل لأمر أكبر من عملية محدودة.
وبدأ جيش الاحتلال عمليته في 6 أكتوبر الجاري بقصف جوي ومدفعي وإطلاق نار من آلياته وطائراته العسكرية وتفجير أحياء سكنية بالكامل وفرض حصار وتجويع لأزيد من 200 ألف مواطن صامدين في منازلهم وأحياءهم السكنية.
ويرفض هؤلاء السكان تنفيذ أوامر الإخلاء العسكرية الإسرائيلية والنزوح إلى مناطق جنوب قطاع غزة، رغم قطع إمدادات الغذاء والماء في محاولة منهم لإفشال "خطة الجنرالات".
كما ترفض3 مستشفيات تعمل في جباليا وبيت لاهيا وهي (كمال عدوان، الإندونيسي، العودة)، تنفيذ أوامر الجيش بإخلائها من المرضى والطواقم الطبية رغم إطلاق قذائف دخانية ومدفعية تجاهها.
والخطة المذكورة هي تصور إستراتيجي أعده الرئيس السابق لـ"مجلس الأمن القومي الإسرائيلي" غيورا آيلاند، ونال تأييد عشرات الضباط السابقين بالجيش، وقُدم إلى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزارة الجيش.
وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية فإن الخطة تقضي بـ "إجلاء السكان خلال أسابيع قليلة، وفرض حصار على المنطقة، لدفع المقاومين بمدينة غزة للاستسلام أو الموت جوعا".
وأفاد الصحفي يوسف فارس عبر صفحته في "فيسبوك": بأن الوقائع الميدانية في محافظة شمال غزة تثبت أن جيش الاحتلال يعمل على إعادة إنتاج واقع مدينة رفح في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون.
وأشار فارس المتواجد شمال غزة إلى أن الجيش يعمد على شق طريق جديدة تطوق المحافظة وتحاصرها تمهيدا لعزلها وتفريغها من أهلها مستعينا بذلك بفيض هائل من وسائل الرقابة والقتل الإلكترونية.
وقال: "يخدر الاحتلال الجميع بزعمه أنه لا ينفذ (خطة الجنرالات) ولا ينوي تهجير السكان بل ويدخل المساعدات إلى غير المناطق المحاصرة".
وأضاف يوسف: "ثلثا الأهالي لم يتركوا محافظة الشمال، لكن حذار من التخدير والركون إلى أخبار الإعلام العبري التي تدعي فشل المهمة، المجهود الحربي يتضاعف مع إيمان جمعي لدى سكان الشمال بأن المخطط لن يمر".
ورغم تلك الأحداث، كتب الصحفي محمود العامودي عبر صفحته في "فيسبوك": "ما زلنا هنا (شمال غزة، سوف نبقى هنا، سنحيا هنا .. وبعد عمر طويل وحياة طيبة سندفن هنا".
وفي منشور آخر، غرد العامودي: "كنت أظن أن كسرة الخبز اليابسة هي فقط للروايات وأنها تعبير مجازي عن الفقر والجوع، لكنني في هذه الأيام عشتها حرفيا وأكلت كسرت الخبز اليابسة وأطفالي".
وحذر برنامج الأغذية العالمي، السبت 12 من أكتوبر/تشرين الأول 2024، من خطورة الوضع الإنساني في شمال القطاع، قائلا إن "تصاعد العنف في شمال غزة له تأثير كارثي على الأمن الغذائي، لم تدخل أي مساعدات غذائية إلى الشمال منذ الأول من أكتوبر".
"عامل واحد"
وبرأي أستاذ الإعلام في جامعة النجاح الوطنية فريد أبو ظهير فإن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لا تتحدث عن "خطة الجنرالات" عبر وسائل الإعلام أو حتى أنها أعلنت البدء فيها.
وأوضح أبو ظهير لـ"فلسطين أون لاين" أن هناك تكتم في الكثير من التفاصيل والوقائع الميدانية فيما يسمح الجيش لوسائل إعلامه بـ"الحديث عن التفاصيل الميدانية" للعملية العسكرية دون التطرق للخطة المذكورة.
وباعتقاده أن العامل الوحيد والأساسي لإفشال الخطة "مكلف جدا" ويتمثل بالدرجة الأولى عبر صمود السكان والأهالي في منازلهم ومناطقهم السكنية.
وعبر أبو ظهير عن استغرابه من حجم الصمت العربي والدولي تجاه حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة؛ عازيا ذلك لما أسماه "الصدمة الدولية" من الغطاء الأمريكي لهذه الجرائم.
ووافقه الرأي، المختص في الشأن "الإسرائيلي" عليان الهندي الذي اعتبر بقاء السكان في منطقة شمال غزة سيكون العامل الرئيسي لإفشال الخطة العسكرية.
وأوضح الهندي لـ"فلسطين أون لاين" إلى أن الخطة آنفة الذكر ليست بالجديدة بل قديمة وتنم عن توسع إسرائيلي جغرافي على حساب أراضي غزة.
ونوه إلى أن الخطة غير رسمية بل صادرة عن "جنرالات متقاعدين" واحتمال فشلها وارد جدا.
وبيّن أن الجيش يحاول كسر صمود سكان شمال غزة عبر التجويع والقصف العنيف، وهو الدافع وراء البدء بعمليته أو خطته بالتزامن مع محاولات قواته التقدم برا إلى لبنان؛ كمحاولة لتضليل الرأي العام الدولي.
الفشل مصيرها
و"إسرائيليا"، اعترف الوزير الأسبق حاييم رامون، أن "خطة الجنرالات" التي يرمي نتنياهو وأعضاء حكومته لتطبيقها في شمال غزّة "مصيرها الفشل" منذ البداية.
وقال رامون: "من كان يعتقد أن بإمكانه تجويع وطرد مئات الآلاف من شمال غزة إلى جنوبه فهو يعيش في الوهم".
وأضاف "لم يهرب المدنيون من شمالي القطاع ونتيجة لذلك بدأت خطة الجنرالات بالانهيار".
وأكد رامون أنّ فرضية تجويع مئات آلاف الغزيين دون تدخل من العالم والولايات المتحدة فرضية منفصلة عن الواقع.
كما قال المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرنوت" رون بن يشاي: في (إسرائيل) يعترفون بأن العملية العسكرية في جباليا لا تحقق أهدافها.
وأكد بن يشاي أن "الضغط ليس كافيًا أبدًا لدفع الغزّيين في شمال القطاع نحو الجنوب".
وكشفت صحيفة "هآرتس" العبرية عن تقارير أمنية أن استجابة سكان مخيم جباليا لمطالب الجيش بالنزوح إلى جنوب القطاع "ضئيلة".
وذكرت "هآرتس" أنه في شمال القطاع لا تزال العديد من البيوت قائمة رغم أن أضرارًا كبيرة لحقت بها جراء القصف العنيف.
وقالت: "هذه البيوت التي لا تزال صامدة أفضل بكثير بالنسبة لسكانها من العيش في خيام في مخيمات النازحين" المكتظة في منطقة المواصي في جنوب القطاع.
وكان مصدر قيادي بغرفة عمليات المقاومة أفاد بأن الاحتلال دمر -بعد 12 يوما من العملية العسكرية- أحياء بمخيم جباليا، حيث يعيد نشر قواته ليلا لاستكمال عمليات التدمير ونسف المنازل.
وأوضح المصدر أن "عملية الاحتلال شمال غزة ومخيم جباليا تخلو من أي هدف عسكري"، معتبرا أن الهدف هو استكمال تدمير المنازل بجباليا لتهجير السكان.