قائمة الموقع

مخيمُ جباليا.. صمودٌ بوجه "الإبادة"

2024-10-10T14:09:00+03:00

"السّماء لهيب برتقالي يضيء الدنيا كأنه النّهار، الرأسً يكاد ينفجر من هول ما يسمع من الانفجارات. القلب يكاد يخرج من مكانه إلى قريب من الحلق، ضجيج النساء والأطفال في الشارع مزدحم لا يدرون أين المسير!؟، السماء مليئة بأنواع لا تحصى من الطائرات المختلفة، العيون محدقة في كل مكان، أسمع الآن رجلا يلقن طفله: حسبنا الله ونعم الوكيل" بهذا وصف حمزة أبو توهة الوضع في مخيم جباليا الذي يتعرض لاجتياح إسرائيلي منذ خمسة أيام.

منذ مساء السبت الماضي، تفاجأ سكان المخيم بهجوم "إسرائيلي" متزامن من المدفعية والطائرات ومسيرّات الاحتلال  بلا سابق إنذار أو فرصة إخلاء، رافقه توغل لآليات ودبابات الاحتلال التي بدأت بالتقدم محاولةً تطويق المخيم من الشرق والغرب، فكان طريق دوار "أبو شرخ" الذي يربط المخيم بمدينة غزة وبمنطقة جباليا البلد الممر الوحيد لنزوح الأهالي، الذين قرر غالبيتهم البقاء في المخيم.

 ونزح الكثير من سكان المخيم تحت ضغط الأحزمة النارية والقصف المتواصل الذي زلزل جدران بيوت المخيم المتهالكة من عمر الإنشاء القديم، وتشققات القصف وفتحات الدمار الذي أحدثها الاحتلال في اجتياحين سابقين للمخيم، مع عدم توفر الطعام والغذاء وأي مقومات للحياة أو الصمود إلا إرادة صلبة تحلى بها أهالي المخيم تجسده عبارة كتبت على جدران أحد البيوت المهدمة "لن يسقط المخيم".

مجزرة اليمن السعيد

على مدار خمسة أيام من عمر الاجتياح ارتكب الاحتلال مجازر بحق أهالي المخيم، إذ بلغ عدد الشهداء لأكثر من 120 شهيدا، بينهم 16 شهيدا استشهدوا في قصف الاحتلال لخيام النازحين بمستشفى اليمن السعيد بالمخيم، وعشرات الإصابات مع وضع صحي مذري جراء نقص الوقود في مستشفى كمال عدوان بالمخيم.

قبل استهداف المشفى مساء أمس الأربعاء، وصل الشاب محمد (16 عاما) نازحا من منزله مع  اقتراب آليات الاحتلال منه وبالكاد التقط أنفاسه بعد ابتعاده عن نيران آليات الاحتلال وقذائف المدفعية.

 كانت الساحة تمتلئ بالنازحين الذين اعتقدوا أن  المشفى سيوفر لهم أمنا من الاستهداف، فأنشأوا الخيام ووضعوا أغراضهم على الأرض، إلى أن وجدوا جثثهم تحترق وهم أحياء بعد استهداف إحدى الخيام أدت لتمدد النيران داخل الخيام استشهد خلالها أكثر من 16 شهيدا، في مجزرة مصغرة عما حدث بالمستشفى المعمداني عندما قصف الاحتلال ساحة المشفى في 17 أكتوبر/ تشرين أول 2023 استشهد خلالها 500 نازح جلهم من الأطفال والنساء.

من داخل المخيم، يرسم فادي خليل الذي اختار البقاء صورة للوضع لموقع "فلسطين أون لاين" قائلا: "قبل الاجتياح لم يدخل مساعدات بسبب إغلاق حاجزي زيكيم وبيت حانون / إيرز، والاجتياح كان مفاجئا، وكان اليوم الأول فرصة لخروج الناس تحت القصف من دوار أبو شرخ الذي استمر القصف المدفعي عليه منذ اللحظات الأولى فضلا عن إطلاق الطائرات المسيرة لنيرانها".

وأضاف خليل "الوضع بدأ يضيق، مع نفاد المياه وشح الطعام، فحاولت أمس الخروج من دوار أبو شرخ للنزوح لمدينة غزة لكن الاحتلال أطلق قذيفة مدفعية بقربنا وقذائف غاز، فعدت إلى المنزل".

لا تتوقف جدران بيت خليل عن الاهتزاز بسبب القصف الإسرائيلي، ما جعل الاجتياح الثالث أصعب توغل إسرائيلي للمخيم يعيشه خليل، يكمل: "في الاجتياحين السابقين كانت هناك فرصة للخروج أما اليوم فلا فرصة هناك للخروج فإما الموت أو النزوح نحو جنوب القطاع، وكلا الخيارين صعب لأنه لا يوجد مقومات للبقاء في المخيم ولا نية للنزوح نحو الجنوب بعد عام كامل من الصبر والجوع والعطش".

رغم أن فجر اليوم الخميس ظل هادئا بعد منتصف الليل، إلا أن خليل وعائلته استيقظوا مفزوعين الساعة الخامسة فجرا مع بدء قصف إسرائيلي عنيف لمدة ساعتين متواصلي، لافتا إلى أن بعض الأهالي حاولت اليوم النزوح بتجاوز السواتر الترابية التي وضعها الاحتلال عند دوار أبو شرخ لكنه جرى إطلاق النار عليهم.

وبسبب كثافة القصف والاستهداف مع اقتراب الدبابات الإسرائيلية من منزله فلم تعد المسافة الفاصلة بين منزله والدبابات لا تزيد عن 700 متر، يلتزم خليل وغيره من أهالي المخيم في منازلهم، نظرا لاستهداف مسيرّات الاحتلال أي حركة في الشوارع، حتى أن الإسعافات وطواقم الدفاع المدني جرى استهدافها واستشهد أحد العاملين.

نزوح إجباري

وإن كان خليل قد قرر البقاء في المخيم، فإن الأحزمة النارية الكثيفة أجبرت الشاب عثمان عبد ربه وعائلته على النزوح منذ الأحد الماضي، إذ فقدت العائلة اثنين من أبنائها وهم  الصحفيان محمد وشقيقته سمية عبد ربه إثر استهداف جيش الاحتلال لشقة نزحا إليها بمخيم النصيرات مساء 27 آب/ أغسطس 2024.

مر شهر ونصف على العائلة التي لم تضمد جرح الفقد، لتعيش تجربة نزوح جديدة لم تسعف ذاكرة عثمان بإحصاء عدد مراتها لكثرة مرات نزوح العائلة داخل المخيم وخارجه.

يقول عبد ربه لموقع "فلسطين أون لاين": "الأحد الماضي جمعنا الأغراض اللازمة وخرجنا بواسطة عربة نقل تعود لقريب لنا (تكتوك) إذ تنعدم وسائل النقل أوقات النزوح، مع انعدام الوقود، فالكثير من الناس نزحوا مشيا أو ركضا هربا من القصف والأحزمة النارية".

عاش عبد ربه ليلة واحدة في المخيم، كانت أكثر الليالي كثافة في القصف خلال الحرب، يعلق بمرارة "النزوح صعب جدا، خرجنا ببعض الملابس والطعام والاحتياجات اللازمة، حيث نعاني كثيرا وقت النزوح ولا يوجد كهرباء ولا مياه ولا مقومات حياة وكأنك تبدأ حياتك من الصفر، وهذا الأمر صعب علينا كعائلة تركنا خلفنا بيتنا وحياتنا وذكرياتنا على أمل أن نعود خلال الأيام القادمة وتنقشع هذه الغيمة".

يستذكر "تجمعنا في تلك الليلة أنا والعائلة في غرفة واحدة من المنزل، وكانت ليلة شديدة، اهتزت جدران البيت، وتواصل القصف الذي لم يهدأ حتى ساعات الصباح، من كافة الأسلحة من المدفعية والطيران والمسيرّات والدبابات، وما أن أشرقت الشمس حملنا أغراضنا وأخذنا ملابسنا وذهبنا لأقارب لنا بمدينة غزة".

وأمام وضع صحي وإنساني كارثي ناشد المكتب الإعلامي الحكومي بإدخال الوقود لمستشفى كمال عدوان لإنقاذ الأطفال الرضع والمرضى في العناية المكثفة قبل فوات الأوان.

في داخل المخيم لا زالت جثث العديد من الشهداء ملقاة على الأرض، كما بدأت صورة الأوضاع لما يجري تنعدم مع استهداف مجموعة من الصحفيين الذين يغطون الأوضاع في المخيم.

اخبار ذات صلة