فلسطين أون لاين

"الجرذان والحشرات".. القتْل الصّامت الذي يفتك بحياة النّازحين

...
دير البلح- عبد الله التركماني  

لا تنفك النّازحة زينب سعد الدين (39 عامًا) عن مواجهة أصناف عديدة من القوارض والحشرات كالفئران والبعوض والذباب التي تعيث فسادا صباح مساء داخل خيمتها في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة. 

ويعود انتشار القوارض والحشرات إلى تكدس وانتشار النفايات حول خيام النازحين فضلًا عن طفح مياه الصرف الصحي من بين هذه الخيام لتتخذ طريقها إلى شواطئ البحر حيث مستقرها الأخير، مسببة تلوثًا بيئيًا خطيرًا. 

وقالت سعد الدين لـ"فلسطين أون لاين": إن انتشار هذه القمامة بين خيام النازحين "يهدد حياة آلاف السكان ويجعلهم عرضة للإصابة بشكل مستمر بالأمراض خاصة الأمراض الجلدية والتنافسية والهضمية". 

وبيّنت أن انتشار القمامة ومياه الصرف الصحي بين النازحين، "تسبب بإصابة أبنائي الصغار بأمراضٍ معويةٍ وجلديةٍ كثيرة، في ظل النقض الحاد بالأدوية". 

قاطعها نجلها "أحمد" البالغ تسعة سنوات، وقال لـ"فلسطين أون لاين": "أشعر بالحكة بشكل مستمر في كافة مناطق جسدي، وبات صدري ممتلئ بحبوب الحساسية الحمراء". 

وأضاف أحمد: "كل يوم أرى الكثير من الأطفال يعبثون بأكوام القمامة في محاولة للعثور على أي شيء يمكن بيعه مثل البلاستيك أو المعلبات الفارغة". 

ويرجع انتشار أكوام القمامة والصرف الصحي إلى عدم توفر إمكانيات لدى بلديات القطاع لجمعها أو معالجتها بسبب عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل آلياتها، ولعدم القدرة على نقل القمامة إلى مناطق تجميعها في المساحات الفارغة على الحدود الشرقية لقطاع غزة. 

قبل هذه الحرب الكارثية المستمرة منذ السابع من أكتوبر الماضي، كانت منطقة المواصي الواقعة غرب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، منطقة ترفيهية بامتياز لإطلالتها على البحر ولانتشار الشاليهات والمنتجعات السياحية فيها، فضلًا عن اعتبارها سلة غذائية لقطاع غزة لخصوبة تربتها ووجود أحواض من المياه الجوفية العذبة أسفلها. تحولت هذه المنطقة بعد الحرب إلى تجمعًا لتلال القمامة ومرتعًا للقوارض والحشرات. 

يقول محمد أبو اللبن (٣٨ عامًا) النازح من مدينة غزة إلى مواصي خان يونس لـ"فلسطين أون لاين": "كنت اصطحب عائلتي خلال فصل الصيف قبل الحرب إلى هذه المنطقة للاستجمام، اليوم تحولت هذه المنطقة إلى مكرهة صحية منتشرة بين أزقة الخيام". 

وبيّن أبو اللبن أن وكالة الأونروا الأممية افتتحت في المنطقة نقطة طبية لمعالجة النازحين بسبب إصابتهم بالأمراض التنفسية والهضمية المرتبطة بانتشار القمامة ورائحتها الكريهة. 

وأوضح أن النازحين "لا يعرفون طعمًا للنوم بسبب انتشار رائحة القمامة والبعوض"، وأضاف: "لا أذكر متى كانت آخر مرة رأيت فيها آلية بلدية تجمع القمامة، لقد كان هذا منذ أشهر عديدة". 

وناشد أبو اللبن المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية للتدخل السريع لإزالة القمامة من بين خيام النازحين، والضغط على "إسرائيل" للسماح بترحيل هذه النفايات إلى أماكن تجميعها الحدودية بعيدا عن المناطق السكانية. 

وبسبب القمامة فكك عبد العزيز قوش، النازح من مدينة رفح، خيمته من وسط مدينة خان يونس، إلى شاطئ المدينة هربًا من الرائحة الكريهة والأمراض. 

ما أن وصل شاطىء البحر حتى استقبلته رائحة كريهة أخرى منبعثة من مياه الصرف الصحي التي تحتل مساحات واسعة من مياه الشاطئ. 

وقال قوش لـ"فلسطين أون لاين": "لا أعلم إلى أين أذهب؟"، مشيرا إلى أن المخيمات تحولت إلى تجمعات للأوبئة بسبب القمامة ومياه الصرف الصحي. 
ولفت النظر إلى أن انتشار مياه الصرف الصحي في الشوارع والطرقات يعود إلى تعمد دولة الاحتلال "الإسرائيلي" تدمير البنى التحتية في كافة مناطق قطاع غزة. 

ووصف عمر مطر مدير دائرة الصحة والبيئة في بلدية خان يونس كبرى محافظات قطاع غزة، لـ"فلسطين أون لاين"، انتشار النفايات ومياه الصرف الصحي بين خيام النازحين، بـ"القتل الصامت الذي يفتك بحياة النازحين". 

وقال مطر إن "نحو 300 ألف طن من النفايات تتكدس في مختلف المناطق بين جنوب وادي غزة وحتى مدينة خان يونس جنوب القطاع، مما يفاقم الأوضاع الصحية والبيئية الكارثية". 

وبيّن أن الحرب سببت دمارًا كبيرًا في شبكات الصرف الصحي، والآليات التي تجمع القمامة، "إذ بلغت الخسائر أكثر من 200 مليون دولار في مدينة خان يونس فقط". 

وأوضح مطر أن عدم التخلص من هذه النفايات وترحيلها بشكل سليم بعيدا عن المناطق السكانية، "يهدد باتساع انتشار الأمراض والأوبئة ويزيد من المخاطر الصحية". 

وأضاف مطر أن ارتفاع درجات الحرارة "يؤثر على النفايات ويتسبب في تسرب عصارة سامة للخزان الجوفي، وتؤدي لتسمم وتلوث المياه الجوفية" التي يعتمد عليها المواطنون والنازحون اليوم بشكل رئيسي للحصول على المياه. 

وأشار إلى أن البعض يحاول التخلص من أكوام النفايات عبر إحراقها مما يتسبب بانبعاث أدخنة مضرة بالصحة والبيئة والجهاز التنفسي.