حذَّرت منظّمة "هيومن رايتس ووتش"، الخميس، من توظيف جيش الاحتلال الإسرائيليّ تقنيّات المراقبة والذكاء الاصطناعيّ وأدوات رقميّة أخرى للمساعدة في تحديد أهداف هجماته في غزّة، مؤكدةً أن هذه التقنيّات "تفتك بالمدنيّين".
وأوضح تقرير المنظمة الحقوقية، أن جيش الاحتلال الإسرائيليّ يستخدم في أعماله بغزّة، أربع أدوات رقميّة بغية تقدير عدد المدنيّين في منطقة ما قبل الهجوم، وإخطار الجنود بموعد الهجوم، وتحديد ما إذا كان شخص ما مدنيًّا أم مقاتلًا.
وبيَّنت "هيومن رايتس ووتش"، أنّ الأدوات الرقميّة "تعتمد على بيانات خاطئة وتقديرات تقريبيّة غير دقيقة لتزويد الأعمال العسكريّة بالمعلومات بطرق قد تتعارض مع التزامات إسرائيل بموجب القانون الدوليّ الإنسانيّ".
ونقل التقرير عن زاك كامبل، باحث أوّل في مجال المراقبة في هيومن رايتس ووتش، قوله: "يستخدم الجيش الإسرائيليّ بيانات غير كاملة وحسابات معيبة وأدوات غير مناسبة للمساعدة في اتّخاذ قرارات مصيريّة تنطوي على حياة أو موت في غزّة".
جاء ذلك، في بيان صادر عن المنظّمة، في وقت تزايد فيه استخدام الجيش الإسرائيليّ للطائرات المسيرة والكلاب الآليّة، وأدوات الرقابة المتطوّرة في حربه ضدّ قطاع غزّة.
ومنذ بداية الحرب على غزّة، اعتمدت "إسرائيل" على الطائرات بدون طيّار المزوّدة بأنواع من الأسلحة والقنابل، إلى جانب توقيعها على اتّفاقيّة شراء كلاب آليّة قادرة على المهاجمة.
وبحسب التقرير، فإنّ هذه الأدوات "بدلًا من تقليل الضرر الّذي يلحق بالمدنيّين، قد تؤدّي إلى مقتل وإصابة المدنيّين بشكل غير قانونيّ".
وتتضمّن الأدوات "مراقبة مستمرّة ومنهجيّة للسكّان الفلسطينيّين في غزّة، بما في ذلك بيانات جمعت قبل الأعمال الحاليّة بطريقة تتعارض مع القانون الدوليّ لحقوق الإنسان"، وفق التقرير.
ومن ضمن الأدوات، "هناك أداة تعتمد على تتبّع الهواتف الخلويّة لمراقبة إجلاء الفلسطينيّين من أجزاء من شمال غزّة، وأداة تعرف بـ(غوسبل) الّتي تعدّ قوائم بالمباني أو الأهداف الهيكليّة الأخرى الّتي سيتمّ مهاجمتها".
كذلك، توجد أداة تعرف بـ "لافندر" تمنح تصنيفات للأشخاص في غزّة فيما يتعلّق بانتمائهم المشتبه به إلى الجماعات المسلّحة الفلسطينيّة، من أجل تصنيفهم كأهداف عسكريّة؛ وأداة تعرف بـ "أين أبي" تزعم تحديد متى يكون الهدف في مكان معيّن.
خبراء يجيبون: كيف ساهم استخدام الذكاء الاصطناعي بارتفاع عدد ضحايا الحرب في غزة؟
وفي تقارير سابقة، أكد خبراء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن إثبات استخدام الاحتلال للذكاء الاصطناعي قد يفسر حجم عدد الضحايا والتدمير الكبيرين في القطاع.
وقال الخبراء، في تقارير دورية، إن المعلومات عن استخدام الجيش الإسرائيلي أنظمة الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تراجع الاهتمام بدور العنصر البشري في تجنب أو تقليل الخسائر في صفوف المدنيين والبنية التحتية، يفسر حجم عدد الشهداء وتدمير المنازل في غزة.
وأشار الخبراء إلى وجود شكوك من احتمال استخدام الاحتلال لأنظمة الذكاء الاصطناعي لاستهداف "منازل عائلات" نشطاء في حركة حماس، خلال الفترة الليلية بذخائر غير موجهة تعرف باسم "القنابل الغبية"، دزن التأكد أو تحري المعلومات التي يدلي بها "الذكاء الاصطناعي".
وأوضح الخبراء أن الاحتلال مارس قصف يُسمى "أهداف القوة" لاستهداف المباني السكنية والعامة الكبيرة وعالية الارتفاع، خاصة في الأسابيع الأولى من الحرب، والتي لم تكن أهدافًا عسكرية مشروعة قد تم قصفها ببساطة بهدف صدم السكان وزيادة الضغط المدني على حماس.
وفي تقارير سابقة، قالت صحيفة الغارديان البريطانية نقلًا عن مصادر استخباراتية مطلعة، إن الاحتلال اعتمد في قصفه لغزة على قاعدة بيانات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، حددت 37 ألف هدف محتمل.
وذكرت الصحيفة أن الاحتلال استخدام نظام الذكاء الاصطناعي المسمى "لافندر"، الذي سمح للمسؤولين العسكريين الإسرائيليين بقتل أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين، لا سيما خلال الأسابيع والأشهر الأولى من الحرب.
ورصدت الصحيفة شهادات استخباراتية عن التجارب المباشرة لمسؤولي مخابرات الاحتلال في استخدام أنظمة التعلم الآلي للمساعدة في تحديد الأهداف خلال العدوان على غزة، المستمر منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وأكدت الشهادات أن "لافندر" لعب دورا مركزيا في الحرب، حيث قام بمعالجة كميات كبيرة من البيانات لتحديد أهداف محتملة من "صغار المقاتلين" لاستهدافهم بسرعة.
وكشف موقع +972 ، أن الاحتلال حدد باستخدام الذكاء الاصطناعي عشرات الآلاف من سكان غزة كمشتبه بهم في عمليات القصف والقتل.
وأشار الموقع في تحقيق استقصائي، إلى أن الاحتلال طوّر برنامج قائم على الذكاء الاصطناعي يعرف باسم "لافندر"، تم الكشف عنه لأول مرة، موضحًا أنه لعب دورًا مركزيًا في القصف غير المسبوق لقطاع غزة.
وقال القائد الحالي لوحدة الاستخبارات بجيش الاحتلال "النخبة 8200 " قضية تصميم آلة خاصة يمكنها معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة لتوليد آلاف "الأهداف" المحتملة.
وأوضح أن مثل هذه التكنولوجيا من شأنها أن تحل ما وصفه بـ "عنق الزجاجة البشري الذي يحول دون تحديد الأهداف الجديدة واتخاذ القرار للموافقة على الأهداف".
وأشارت نتائج التحقيق، إلى أن البرنامج الذي صمم لتحديد جميع النشطاء المشتبه بهم في الأجنحة العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، بما في ذلك العناصر ذات الرتب المنخفضة، كأهداف محتملة للتفجيرات، كان تأثيره على عمليات جيش الاحتلال لدرجة أنهم تعاملوا بشكل أساسي مع مخرجات آلة الذكاء الاصطناعي "كما لو كان قرارًا بشريًا".
ولفتت التحقيقات إلى أن البرنامج الذي اعتمد عليه جيش الاحتلال بشكل "شبه كامل"، سجّل ما يصل إلى 37000 فلسطيني كمسلحين مشتبه بهم – ومنازلهم – لشن غارات جوية محتملة.
وأشار التحقيق إلى أنه خلال المراحل الأولى من الحرب، أعطى جيش الاحتلال موافقة شاملة للضباط على اعتماد قوائم القتل التي وضعها، دون الحاجة إلى التحقق من صحة النتائج.
وأكدت مصادر عبرية، أن الأفراد البشريين كانوا بمثابة "ختم مطاطي" لقرارات الآلة، موضحين أنهم عادةً ما يخصصون شخصيًا حوالي "20 ثانية" فقط لكل هدف قبل الإذن بالقصف، على الرغم من علمه بأن النظام يرتكب ما يعتبر "أخطاء".
والنتيجة، كما شهدت المصادر، هي أن آلاف الفلسطينيين – معظمهم من النساء والأطفال - تم القضاء عليهم بسبب الغارات الجوية "الإسرائيلية"، خاصة خلال الأسابيع الأولى من الحرب، بسبب قرارات برنامج الذكاء الاصطناعي.
وبدعم أميركي مطلق تشنّ إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي حربًا مدمّرة على غزّة خلّفت نحو 136 ألف شهيد وجريح فلسطينيّين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
وفي استهانة بالمجتمع الدوليّ، تواصل إسرائيل الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدوليّ بوقفها فورًا، وأوامر محكمة العدل الدوليّة باتّخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعيّة ولتحسين الوضع الإنسانيّ الكارثيّ بغزّة.