يستغل الاحتلال الإسرائيلي ظروف الحرب في قطاع غزة، محاولاً توسيع حالة الصراع بشن عملية عسكرية اعتبر فيها كل مناطق الضفة الغربية "ميدان قتال" ما فسره مراقبون، بأنها خطوة لتنفيذ عدة مخططات تحدق بالقضية الفلسطينية منها التهجير وضم مناطق واسعة من الضفة لدولة الاحتلال، وخلق واقع جديد لمنع إقامة دولة فلسطينية.
تنبه الأردن لأهداف الهجوم الإسرائيلي على الضفة، وأن الأمر لا يتوقف عند حدود عملية عسكرية محدودة، وأكد على لسان وزير خارجيه أيمن الصفدي عبر منصة إكس أن الأردن سيتصدى لأي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني داخل أرضه المحتلة أو إلى خارجها بكل الإمكانات المتاحة، معتبرا أن كل ما تدعيه "إسرائيل" حول أسباب شن عدوانها على الضفة الغربية "كذب".
في وقت تعرب الأردن عن مخاوفها السابقة وبالتزامن مع حربه على غزة، يشن الاحتلال أوسع عملية عسكرية شمال الضفة منذ عملية "السور الواقي" عام 2002 باقتحام قوات كبيرة مدينتي جنين وطولكرم شمال الضفة مع فرض تشديدات عسكرية على مدينة الخليل في جنوبها، في وقت يتوقع محللون لـ "موقع فلسطين أون لاين" تمدد العملية العسكرية لكافة مناطق الضفة، وأن يكون حسم الصراع والتهجير العنوان الأساسي لها.
أحد المؤشرات الأولية التي تؤكد وفق محللين على نوايا الاحتلال للتهجير، هي عملية خلق بيئة طاردة للوجود الفلسطيني خاصة بمخيم جنين والتي تشهد تجريفا للبنية التحتية للمخيم أدت لهجرة مئات العائلات.
5 عناوين
ورأى الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف، أن ما يجري هو عدوان إسرائيلي شامل على الشعب الفلسطيني لحسم الصراع، له خمسة عناوين واحد منها قانون القومية الإسرائيلي، والثاني تدنيس المقدسات، والثالث استهداف الأسرى، والرابع تدمير غزة، والخامس الاستيطان بالضفة الغربية.
وقال عساف لموقع "فلسطين أون لاين": إن "ما يجري بالضفة ينبني على قاعدة حسم الصراع، هناك مطامع ومخططات إسرائيلية لضم الضفة التي تزيد مساحتها 20 ضعف عن مساحة قطاع غزة، مع وجود 850 ألف مستوطن يدنسون الأرض ويوسعون الاستيطان تحت رعاية جيش الاحتلال وإشراف الحكومة الإسرائيلية".
ويعتقد أن ما يجري يستهدف تفريغ الضفة، وجعل مخيماتها خاصة بجنين وطولكرم غير قابلة للحياة، بالتالي إمكانية التهجير الداخلي داخل المخيمات واردة، فضلا أن الاحتلال يريد ضم مناطق "ج" التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة، لافتا، إلى أن الاحتلال يحاول تفريغ الضفة من السكان لصالح توسعة الدولة العبرية.
وعن توقيت العملية العسكرية للاحتلال بشمال الضفة، رأى أنها تأتي في سياقين، الأول هي محاولة لتحقيق انجازات ما بالضفة الغربية بعد الفشل الذريع الذي يواجهه الاحتلال عسكريًا في غزة، ولم يستطع استعادة الأسرى بغزة أو تحقيق باقي أهداف الحرب، والشق الثاني يتعلق باستغلال الظروف لتوسيع الصراع، بالتالي قد يقدم على حماقات تتعلق بالتهجير سواء داخليًا أو خارجيًا.
وربط عساف ما يجري بالضفة بخطط التهجير، معتقدًا، أنه حين يدمرون البنية التحتية ويحرثون الأرض فهذا هدفه التهجير، لافتا إلى أن 650 عائلة غادرت المخيم لمناطق أخرى، وأن ذلك لا يجري عبثًا وإنما وفق مخططات محددة يحاولون تمريرها.
ورأى أن تطبيق خطة الضم ينسجم مع المشروع الصهيوني "الأرض دون سكان" وتوجهاتهم وبرامجهم وطبيعة الحركة الصهيونية وما رسمه مؤسسوها لشكل الضفة الغربية.
أهداف أمنية وعسكرية
ورغم أن العملية العسكرية شمالي الضفة الغربية هي الأولى من نوعها من حيث الحجم يشير الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي بأنها ليست الأولى من حيث النوع، بمعنى ان الاحتلال سبق وشن عملية مشابهة على مخيم جنين في يوليو/ تموز 2023 سماها "البيت والحديقة" وبعد السابع من أكتوبر شن أكثر من عملية عسكرية كانت تطول نسبيا، وفي فترات سابقة كانت مدينة نابلس تتعرض لعمليات اقتحام نتج عنها استشهاد قادة العمل المقاوم.
ويعتقد عرابي في حديثه لموقع "فلسطين أون لاين" أن هناك أهداف أمنية وعسكرية للعملية تتمثل بتفكيك فصائل المقاومة في مناطق شمال الضفة استخدم الاحتلال أساليب متعددة لتفكيكها منذ العام 2022، وأن الحديث عن التهجير وحسم الصراع سابق لأوانه في هذه الفترة".
وأضاف "لكن هذا لا يعنى أن موضوع التهجير لا يندرج في إطار أهداف سياسية واستراتيجية أوسع لحكومة الاحتلال تهدف لحسم الصراع على المستوى البعيد".
وردًا على سؤال: حول أثر العملية العسكرية على مسار السلطة السياسي وإمكانية إقامة دولة فلسطينية؟، أجاب، بأن حلم إقامة دولة فلسطينية بالضفة لم يعد قائما قبل العملية العسكرية، فالتوسع الاستيطاني ألغى إمكانية وجود تلك الدولة، لأن البناء الاستيطاني الضخم يرتبط بشبكة طرق ومعسكرات جديد ومراكز تجارية وبوابات حديدة تجعل قدرة الفلسطينيين على الحركة والتواصل مستحيلة.
يضاف إلى ذلك، بحسب عرابي، استمرار الاحتلال تقليص صلاحيات السلطة ونزعها في بعض المناطق، حتى أصبح قائد المنطقة بجيش الاحتلال هو من يحكم السلطة فعليا، مما يعني أنه من الناحية الفعلية جرى ضم مستوطنات الضفة، إضافة للابتزاز السياسي المستمر للسلطة عبر مصادرة أموال المقاصة حتى تصبح مرهونة للإرادة الاستعمارية.
مناطق حيوية
أما الباحث في الشأن الاستيطاني سهيل خليلية فيشير إلى ان الاحتلال يريد السيطرة على المناطق الحيوية والرئيسية وضم المناطق الموجودة بين الجدار الفاصل والخط الأخطر وغالبية منطقة الأغوار والأراضي المطلة على البحر الميت، والمناطق الرابطة بين الجهة الشرقية والغربية والطرق الالتفافية وهذه بإجمالها تشكل قرابة 40% من مساحة الضفة.
وقال خليلية لموقع "فلسطين أون لاين": إن "الاحتلال يريد استغلال ما يحدث في غزة بشن عملية مثيلة لها بالضفة لمنع تكرار سيناريو السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، فضلا عن سعي حكومة الاحتلال لتهجير التجمعات البدوية من منطقة إلى أخرى"، مستبعدًا، أي تهجير خارج فلسطين.
وتجد حكومة الاحتلال، وفق خليلية، الظروف الحالية هي الأنسب لتنفيذ مخططاتها وتوسيع حالة الصراع، في ظل استمرار حالة التوتر وقرب الانتخابات الأمريكية بالتالي لن يكون هناك ضغطا حقيقيا على الاحتلال لوقف عملياتها بالضفة أو القطاع.