تبرز في "إسرائيل" مخاوف وحالة من الذعر من عودة مشاهد التفجيرات في حافلات ومطاعم وأسواق تجارية، بعد تهديد حركة حماس باللجوء إليها ردا على استمرار "مجازر الاحتلال"مع تبني كتائب القسام وسرايا القدس عملية تفجير "تل أبيب".
و أبرزت وسائل إعلام إسرائيلية وعيد الكتائب بالعودة إلى التفجيرات، وطفت على السطح مخاوف من مشاهد الانتفاضة الثانية (الأقصى)، التي اندلعت عام 2000 عقب اقتحام زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرييل شارون يوم 28 سبتمبر/أيلول 2000 باحات المسجد الأقصى، تحت حماية نحو 2000 من الجنود والقوات الخاصة.
فقد كانت العمليات الاستشهادية أحد أبرز أدوات المقاومة في مواجهة الاحتلال، ورغم توقفها خلال السنوات الماضية فإنها كانت حاضرة في ذاكرة للمقاومة وجمهورها وتطور مسار المقاومة.
ويرى محللون أن موضوع العمليات الاستشهادية اكتسب زخمًا في السنوات الأخيرة لدى الاحتلال، إذ يمكن "تحضيرها من المتفجرات غير القياسية والمرتجلة في مختبرات التصنيع في الضفة الغربية".
ورغم أن العملية لم يكتب لها النجاح وانفجرت العبوة الناسفة التي كان يحملها الاستشهادي قبل وصوله للمكان المراد استهدافه، يرى الباحث والمحلل السياسي سعيد زياد أن "هذه العملية تمثل هزيمة لجهد عسكري وأمني إسرائيلي استمر لـ20 عاما، وتمثل نجاحا كبيرا للمقاومة على صعيد التوقيت والمكان وتجاوز المنظومة الأمنية المعقدة".
ويقول، إن العمليات الاستشهادية قد تعود بشكل أكبر بعد المجازر غير المسبوقة التي ارتكبتها إسرائيل خلال الحرب.
وأوضح زياد، أن العمليات الاستشهادية كانت قد انطلقت مع انتفاضة الأقصى ردا على المجازر في غزة والضفة الغربية، مضيفا أن عربدة إسرائيل أفضت إلى هذا الصدام الكبير.
ووفق المتحدث، فإن ما فعلته إسرائيل خلال الحرب بتدمير المشروع الفلسطيني من شأنه أن يواجه بأقصى رد ممكن، وقد يكون هناك قرار جدي بعودة العمليات الاستشهادية.
وشدد على أن حالة الاحتقان والثأر في صدور الفلسطينيين لا يمكن إلا أن تؤول إلى صدام حقيقي، لافتا إلى أن المقاومة تتشدد بموقفها بسبب إجرام الإسرائيليين.
ونبه إلى أن المجتمع الغزي دفع فاتورة ضخمة من الدماء "لذلك فإن المقاومة مدينة له بمواصلة القتال في الميدان وعلى طاولة التفاوض حتى يحقق الشعب الفلسطيني ما يريد".
وبشأن زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لإسرائيل، قال زياد إن واشنطن لا يمكن أن تظهر بمظهر وسيط حيادي وضامن حيث تواصل الكذب بعدما نسف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتفاق المقترح، كما يواصل اللعب بمختلف الأطراف.
وتساءل في هذا الإطار "كيف يفاوض الأميركي طرفا واحدا ويطلب من الطرف الآخر الالتزام؟"، قبل أن يؤكد أن حماس غير مخولة بأي اتفاق لا يضمن خطوطها الحمراء بالانسحاب الكامل من القطاع وعودة النازحين وعمليات الإغاثة والإعمار، إلى جانب صفقة تبادل أسرى حقيقية.
وخلص إلى أن واشنطن تدرك أن نذر الحرب الإقليمية تزداد، حيث تحاول لجم هذا التصعيد لكنها تذكي نيران الحرب بتزويد إسرائيل بالسلاح والشرعية والوقت، والضغط على حماس سياسيا.
تهديد حقيقي
بدوره، قال الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين إن إسرائيل كانت تحاول الهروب من وضع تجد فيه نفسها بحالة استنزاف مثلما حدث في الضفة الغربية بين عامي 2000 و2006.
وأشار جبارين إلى أن العمليات الفلسطينية بين عامي 2006 و2023 كانت محصورة بنطاق الضفة الغربية، مؤكدا أن إسرائيل تتعامل الآن مع تهديد حقيقي ومباشر لتل أبيب وهو ما يؤرقها.
وأكد أن الاحتلال يؤدي إلى الاضطهاد ومن ثم فإن الطرف الآخر يقاوم هذا الاضطهاد والاحتلال "لذلك سارع رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي للتأكيد بأن الجيش لا يريد البقاء داخل غزة".
ويعتقد أن ما يجري منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي "حرب إسرائيلية انتقامية"، منبها إلى حساسية الظرف الحالي حيث تسعى واشنطن لإدارة المرحلة بدقة تحسبا للانتخابات الأميركية المقبلة.
لكن نتنياهو -وفق جبارين- يعتاش على حالات الفوضى، إذ لم يكن يفاوض على شروط الدخول إلى صفقة وقف إطلاق النار وإنما الخروج منها، مضيفا أنه يحاول البحث عن الذرائع وتحميل الطرف الآخر المسؤولية والتنصل منها.
وخلص إلى أن نتنياهو غير معني بأي أطروحات للحل وإنما يريد العيش بحالة فوضى لا إستراتيجية في هذه المرحلة بهدف استمرار الحالة وحتى وإن دخل في المرحلة الأولى من الصفقة، حيث باتت أميركا تخشى ما بعد ذلك.
ومن جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي، إن هناك نقاشات مستمرة وتحذيرات مهمة ومتواصلة كانت قبل حدوث العملية، لا سيما من جهاز الشاباك، موضحًا أن نمط استمرار الحرب في هذه الطريقة في قطاع غزة سيجعل ساحة الضفة الغربية أكثر إلحاحًا و أكثر تأثيرًا.
وأكد عرابي في تحليل له، أن قيادة الاحتلال تحدثت بشكل واضح وصريح أن جبهة الضفة هي جبهة سابعة وتشكل خطر كبيرًا على الاحتلال وجيشه وأمن مستوطنيه.
وأوضح أن الإسرائيلي كان يسعى دائمًا لتجنيب منطقة "غوش دان" في تل أبيب وإبعادها عن الحرب، تحديدًا بعد اعتقاده أن المقاومة لم تعدّ قادرة على إطلاق الصواريخ على تلك المنطقة، ولكن العملية التي حدثت في "تل أبيب" جعلت سكان المدينة يشعرون بالخوف والقلق تحديدًا مع عودة العمليات الاستشهادية هناك.
وأضاف عرابي أن إحياء الذاكرة الإسرائيلية لمثل هذه العملية يكلّفها عبءً كبيرًا لا سيما في ظل زيادة العبء الأمني المتواصل منذ بداية الحرب رغم المنظومة الأمنية الكبيرة.
استراتيجيات نتنياهو
وأشار الكاتب عرابي إلى أن بنيامين نتنياهو استخدم مجموعة من الاستراتيجيات على هذا الصعيد لكسب الموقف لصالحه الشخصي سواءً في سياساته الداخلية تجاه المعارضة، أو تجاه أهالي الأسرى الإسرائيليين سواءً تجاه شركائه السياسيين الذين كانوا معه في مجلس الحرب، موضحًا أن نتنياهو استفاد بشكل كبير على الصعيد الشخصي من خلال إطالة أمد الحرب الذي دفعه لإضعاف شركائه السياسين بصورة واضحة وإيصال رسالة واضحة للشارع الإسرائيلي أن الانقسامات والاستقطابات السياسية والمظاهرات وانتقاد الحكومة الإسرائيلية يضعف الحرب ويحبط معنويات الجنود ويقوى حركة حماس ويقوى موقفها ويبدو أن هذه السياسة آتت أكلها ونجحت.
وقال عرابي إن تطور هذه العمليات سيدفع نتنياهو لتحميل المؤسسات الأمنية مسؤولية هذا الحدث من الناحية التنفيذية لأنها هي المسؤولة عن هذا الأمر، ولن يحمل نفسه أي شيء.
ولفت إلى أن الأمر الثاني الذي سيقوله نتنياهو وسيجد له رواج كبير داخل الشارع الإسرائيلي ناجم عن طبيعة الضربة التي تعرض لها في السابع من أكتوبر أن قضية أن تستعيد الأمن والردع هذه قضية وجودية يجب أن تعيدها "إسرائيل" مهما كلفه هذه الأمر.