بعد 11 عامًا على فرض الرباعية الدولية حصارا على قطاع غزة الذي ألقى بظلاله على مجالات الحياة وتسبب بتداعيات إنسانية واقتصادية كارثية، جاء إقرار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بـ"أنه وزعماء آخرين في العالم ارتكبوا خطأ بدعم مقاطعة حركة حماس بعد نجاحها في انتخابات عام 2006"، ليكون شاهدًا على حجم الجريمة التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني عقابًا على اختياره الديمقراطي لحركة حماس في الانتخابات التشريعية.
ورأى خبراء في الشأن الأوروبي لصحيفة "فلسطين"، أن إقرار بلير اعتراف أن حماس ليست المسؤولة عن معاناة أهالي قطاع غزة، وإنما بفعل مثل هذه القرارات الخاطئة التي اتخذت في لحظات لتغييب كل من يدافع عن الحق الفلسطيني بمصداقية على الساحة السياسية.
وتصل نسبة الفقر في قطاع غزة إلى 65% والبطالة إلى 44%، فيما يتلقى 80% من السكان مساعدات إنسانية، بسبب التداعيات التي خلقها الحصار و3 حروب شنها الاحتلال على القطاع، وأدت لاستشهاد الآلاف وتدمير واسع في المنازل والبنى التحتية، حيث إن جزءاً كبيراً منها لم يعد إعماره للآن.
اعتراف
واعتبر الخبير في الشأن الأوروبي سامر أبو العنين، من جنيف أن اعتراف بلير بخطأ دول الاتحاد الأوروبي بحصار حماس بعد الانتخابات الفلسطينية، دليلاً على أن الحركة لم تتسبب بأزمات إنسانية لسكان قطاع غزة.
وقال أبو العنين لصحيفة "فلسطين": "إن إقرار بلير بالأخطاء الأوروبية التي تراكمت على مدار 11 عاما من حصار غزة، كانت بسبب التعنت الأوروبي في التعامل مع اختيار الشعب الفلسطيني الديمقراطية، وهي فرصة في الوقت ذاته كي تثبت حماس أنها لم تكن سببًا في أي معاناة لسكان القطاع، بل كانت المعاناة نتيجة القرارات الدولية التي تهضم الحق الفلسطيني".
وشدد على ضرورة أن تنتهز حماس الفرصة بشكل جيد وتعود للساحة الدولية، بتحديد الأضرار الناجمة عن الحصار، وأن يتحمل المجتمع الدولي المسؤولية للتعامل مع هذه الأزمات، مستدركًا: "لا بد للسلطة أن تطالب الرباعية الدولية بدعم الحق الفلسطيني وإزالة حماس من قائمة الإرهاب وإعادة النظر بالقرار، ليكون أكثر عدلاً وفي صالح الشعب الفلسطيني".
وبشأن مستقبل العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وحماس، أكد أبو العنين أن الاتحاد ليس لديه أي خيار سوى التعامل مع حماس، مشيرا إلى أن تصريحات مسؤولين أوروبيين حينما فازت حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006م، ووصفوها بأنها ذات مصداقية عالية ونظيفة اليد وأن القائمين عليها ليسوا متورطين بأعمال "مشبوهة" وأنهم يجيدون لغة الحوار الدولي.
وينطلق موقف الاتحاد الأوروبي تجاه حماس من منطلقين وفق أبو العنين، الأول وهو يقوم على مبدأ احترام حق الشعوب في تقرير المصير، وهو ما لم يحدث في تعامل الاتحاد مع الانتخابات الفلسطينية، بعد أن قاموا بمعاقبة الشعب الفلسطيني على اختياره لحماس وفرض حصار عليه، والمنطلق الثاني أن هناك من الأوروبيين من اليسار والاشتراكيين ينصفون الحق الفلسطيني، فيمكن للحركة أن تعزز علاقتها معهم.
حوار لا مقاطعة
الناشط السياسي في القارة الأوروبية زياد العالول، رأى أن أهمية تصريحات بلير وإقراره بخطأ حصار حماس، كشكل من أشكال الملامة، وأنه كان من الأجدر على الدول الأوروبية تبني سياسة الحوار مع الحركة وليس مقاطعتها، باعتبار أنها حركة فلسطينية فازت بانتخابات سياسية وقادت حكومة.
وقال العالول لصحيفة "فلسطين": "إن بلير يعتبر أن مقاطعة الحركة كان خطأً لأن الحوار يفتح أفقًا للحل معها"، مبينًا أن التصريح يهدف لتشجيع المجتمع الأوروبي، للتواصل مع حماس، خاصة أن المصالحة الفلسطينية مؤخرًا تمت بين حركتي فتح وحماس برعاية مصرية وتحت غطاء دولي، بمعنى أنه لا يمكن أن تتم مصالحة دون موافقة أمريكا وأوروبا عليها.
وحول تأثير التصريح على سياسة الاتحاد الأوروبي، رأى أن تأثيره مرتبط بدور بلير القادم، الذي قد يمهد من خلال هذا التصريح لأن يكون مفوضًا للأوروبيين أو الأمم المتحدة بالتواصل مع حماس، كما كان تواصله معها كمبعوث للرباعية الدولية.
وتابع العالول أن "بلير لا يلوم نفسه من خلال التصريح بل يلوم المجتمع الغربي الذي قاطع الحركة، بعد فوزها بالانتخابات التشريعية، باعتبار أنها تمثل جزءً كبيرًا من الشعب الفلسطيني".
وحماس بحكم قوتها، تبعا لكلام العالول، تفرض نفسها لاعبًا رئيسًا لا يمكن تهميشها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إذ إن الأوربيين لا ينكرون وجود حماس، ولا يمكن أن يكونوا لاعبين في الشرق الأوسط دون الحوار معها.
كما رأى أن المصالحة الفلسطينية، تؤسس لعلاقة جديدة لحماس مع الغرب، والتي من الممكن أن تفتح خطوطا جديدة مع العالم الغربي، خاصة إن أرادت الحركة المشاركة في انتخابات رئاسية وتشريعية فلسطينية جديدة، مما يدفع الغرب التواصل معها.

