فلسطين أون لاين

هيروشيما وغزَّة.. عن صناعة الموت بـ "ثالوث" السلاح والإبادة والصمت

...
هيروشيما وغزَّة.. صناعة الموت بـ "ثالوث" السلاح والإبادة والصمت
غزة/ فلسطين أون لاين

في 6 أغسطس/ آب من كل عام، تحل الذكرى السنوية 79 لإلقاء أول قنبلة ذرية في العالم على مدينة هيروشيما عام 1945، في وقت يعيش فيه قطاع غزة مشاهد قاسية تُذكر بمآسي المدينة اليابانية المنكوبة، وتجسد نموذجًا للإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. 

كان غطاء أسود من الدخان والرماد يغطي أكثر من ستين مدينة آنذاك قبل هيروشيما. بدأت كل أنواع المواد الكيميائية المحرقة من الفوسفور إلى النابالم تسقط ليلة إثر أخرى بمجموعات تزيد أحياناً على 300 طائرة. فهل غزة أكثر حظاً من هيروشيما وناكازاكي؟.

وحسب تقارير، فقد أسقطت إسرائيل على قطاع غزة حوالي 25 ألف طن من المتفجرات، وبذلك يتخطى هذا الرقم قوة القنابل الذرية التي ألقتها واشنطن بالحرب العالمية الثانية على كل من هيروشيما وناغازاكي.

وحسب التقديرات، تبلغ مساحة قطاع غزة حوالي 345 كلم مربع فقط. وفي المقابل، يتجاوز عدد سكان هذه المنطقة الصغيرة من الأراضي الفلسطينية مليوني نسمة. وبسبب ذلك، تقدر الكثافة السكانية بالقطاع بنحو 6507 ساكن لكل كلم مربع.

ومقارنة بهيروشيما اليابانية التي تعرضت لأول ضربة بالقنبلة الذرية "الطفل الصغير" (Little Boy) يوم 6 آب/أغسطس 1945، قدرت مساحة المدينة بنحو 900 كلم مربع، وقد قطنها بتلك الفترة، حسب إحصائيات العام 1940، نحو 344 ألف ساكن. وخلال اليوم الموعود، ألقيت قنبلة الطفل الصغير، المقدر وزنها بحوالي 4400 كلغ على المدينة، متسببة في تدمير ما قدر بحوالي 5 كلم مربع.

وبتلك الفترة، ألقت قاذفة القنابل إينولا غاي (Enola Gay)، من نوع بوينغ بي-29 سوبر فورترس (Boeing B-29 Superfortress)، هذه القنبلة الذرية على هيروشيما متسببة في مقتل نحو 140 ألف شخص بحلول أواخر العام 1945، حيث فارق العديد من اليابانيين الحياة لاحقا بسبب الإصابات والإشعاعات لينظموا بذلك لقائمة الضحايا.

وحسب مصادر الأميركيين حينها، قدرت القوة التفجيرية لقنبلة الطفل الصغير التي ألقيت على هيروشيما ما يعادل 15 ألف طن من المتفجرات.

من جهته، رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده، قارن بين جريمة هيروشيما والحرب الإسرائيلية على غزة، قائلا: "استخدمت الولايات المتحدة القنبلة الذرية لأول مرة، وهي سلاح دمار شامل أسفر عن تدمير واسع النطاق وقتل عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء".

ويضيف عبده: "إسرائيل لم تستخدم قنبلة ذرية في غزة، لكنها استخدمت أسلحة ذات قدرة تدميرية هائلة تُحدث خسائر واسعة في صفوف المدنيين والبنية التحتية".

ويوضح، أن الأسلحة الإسرائيلية عند استخدامها "لا تراعي مبدأ التناسب وفق القانون الدولي، كما يحدث تماما عند استخدام قنبلة ذرية لا تفرق بين مسلح ومدني".

وأكمل: "إسرائيل استخدمت أسلحة دمرت خلالها أبراج سكنية من عدة طوابق فوق رؤوس ساكنيها، واستخدمت أسلوب الحزام الناري في استهداف أحياء سكنية بأكملها، متسببة بقتل وإصابة مئات المدنيين".

 دعم أمريكي

أكد المسؤول الحكومي الثوابتة أن الولايات المتحدة التي دمرت هيروشيما في لحظة، "تواصل مد إسرائيل بأنواع مختلفة من الأسلحة لتحقيق جريمة الإبادة الشاملة".

ويتابع للأناضول: "إسرائيل تعتمد في حربها الحالية بالدرجة الأولى، على دعم عسكري أمريكي كبير، بما في ذلك الأسلحة المتقدمة والتكنولوجيا الحديثة".

ويقدّر الثوابتة إلقاء إسرائيل "أكثر من 82 ألف طن من المتفجرات، بما يعادل أكثر من 5 أضعاف القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي".

ويشير إلى أن واشنطن "زودت إسرائيل بأكثر من 100 ألف قنبلة وصاروخ يزن بعضها 2000 رطل من المتفجرات، فيما تواصل الأخيرة خوض حرب الإبادة الجماعية بهذا السلاح، وقتل النساء والأطفال وكبار السن والمدنيين العزل".

إبادة شاملة

فيما يتعلق بالإبادة الشاملة في مسرح الجريمة، يقول عبده إن القصف الذري لهيروشيما أدى إلى إبادة جماعية، مضيفا: "في غزة، لم يسلم أي من السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من القصف الجوي والبري والبحري غير المتناسب".

ويتابع: "إسرائيل لا تنفذ حربا ضد فصيل معين بل حرب إبادة جماعية ضد كافة السكان".

وأشار إلى أن "هيروشيما شهدت مقتل ما بين 70 و80 ألف شخص على الفور، فيما ارتفع عدد الوفيات بحلول نهاية 1945 إلى نحو 140 ألفا".

ولا يختلف الأمر كثيرا في قطاع غزة، الذي واجه 10 بالمئة من سكانه القتل أو الإصابة أو فُقدت آثاره نتيجة الإبادة الجماعية، وفق رئيس "المرصد الأورومتوسطي".

إلى جانب ذلك، فإن هيروشيما تعرضت لدمار شبه كامل بسبب الانفجار الذري حيث بلغ حجم دمار المباني فيها نحو 70 بالمئة، ما يعادل حجم الدمار الذي خلفته حرب إسرائيل في الوحدات السكنية بغزة.

وتابع: "إسرائيل تتعمد استهداف كل ما يتم إصلاحه بشكل جزئي في غزة لجعل الحياة مستحيلة".

الثوابتة يدعم ذلك بالأرقام، قائلاً: "اليوم هناك أكثر من 145 ألف ضحية في غزة، بينهم قرابة 40 ألف شهيد وأكثر من 91 ألف جريح".

ويشير إلى حجم الدمار الهائل في القطاع، موضحا أن إسرائيل دمرت أكثر من 150 ألف وحدة سكنية بشكل كلي، و200 ألف وحدة بشكل جزئي، و80 ألف وحدة سكنية غير صالحة للسكن.

كما دمرت الحرب الإسرائيلية كافة مناحي الحياة في القطاع، واستهدفت 15 قطاعًا حيويًا، لتحويله إلى منطقة بلا حياة وغير صالحة للحياة، وفق الثوابتة.

وأكد أن "الاحتلال الإسرائيلي يحاول تحقيق مبدأ الإبادة الشاملة ضد الفلسطينيين في هذه الحرب".

صمت دولي

الجريمتان الأمريكية والإسرائيلية القديمة والحديثة واجهتا صمتا دوليا، ففي حين أنه لم تعاقب الولايات المتحدة على إبادة "هيروشيما"، كذلك يحدث مع إسرائيل التي لم تعاقب على جريمة "الإبادة الجماعية" بغزة رغم مرور 10 أشهر على بدايتها.

الحقوقي عبده ينتقد الصمت الدولي تجاه ما يحدث في غزة، مشيرًا إلى أنه لم "تُتخذ إجراءات فعالة لكسر الحصار أو محاسبة مرتكبي جرائم الحرب".

كذلك يدين المسؤول الحكومي الثوابتة صمت العالم إزاء المأساة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، الأمر الذي يتيح لإسرائيل الاستمرار في جرائمها، كما قال.

ويختم الثوابتة حديثه قائلا: "هذه الجريمة يندى لها جبين البشرية، فالعالم يقف صامتًا تجاه إعدام وسحق أكثر من 20 ألف طفل وسيدة، ولا يتحرك قيد أنملة لوقف الحرب المدمرة وبالتالي تغيب العدالة ونصرة الحق والحقيقية".

وتشن إسرائيل بدعم أمريكي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حربا على غزة؛ أسفرت عن أكثر من 131 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود.

وتواصل "تل أبيب" الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني بغزة.