بعد أن وافقت السلطة الفلسطينية على شروط الاتحاد الأوربي، تم منح السلطة الفلسطينية مبلغ 400 مليون دولار، تصرف على ثلاثة دفعات، مقترنة بتطبيق السلطة لشروط الاتحاد الأوربي.
لا شك أن 400 مليون دولار مبلغ عظيم من المال، سيخفف أعباء السلطة، ويفك كربها، ويفرج عنها الضائقة، ولكن ما الثمن الذي دفعته السلطة الفلسطينية مقابل هذا المال؟ فالأوروبيون لا يعطون مالاً دون مقابل!
لقد وافقت السلطة الفلسطينية ذليلة على شروط الاتحاد الأوربي، والتي منها:
1ـ تحسين العلاقات بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل"!
وكيف يكون تحسين العلاقات؟ وهل يعني ذلك أن التنسيق والتعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية والمخابرات "الإسرائيلية" غير كافٍ؟ وهل يصير تحسين العلاقات من خلال تبادل الزيارات، والاستجابة للمطالب "الإسرائيلية" بإدانة المقاومة، والتشهير بالمقاومين، والالتزام بالنواهي "الإسرائيلية" والتوصيات، بما في ذلك عدم صرف الأموال إلا في المسارب التي تحددها المخابرات "الإسرائيلية"؟
2ـ إجراء إصلاحات لتحقيق نظام حكم ديمقراطي وشفاف ومستدام.
ذلك يعني أن الاتحاد الأوروبي قدم المال لسلطة أبعد ما تكون عن الديمقراطية، وسلطة أبعد ما تكون عن الشفافية، ويعرف الاتحاد الأوروبي أن هذه الحكم غير مستدام، فلماذا إذن قدم الاتحاد الأوربي المال لهذه السلطة، التي يطلع على عيوبها؟
وهل يعني ذلك أن الاتحاد الأوربي بحاجة إلى جسم في الضفة الغربية يتعامل معه، ويتعاون معه لحفظ الأمن، وتحقيق الاستقرار الذي يحلم به المستوطنون الصهاينة.
3ـ تحسين كفاءة ومساءلة القطاع العام من خلال تحديث المؤسسات وتعزيز سيادة القانون ومكافحة الفساد.
هذه الشروط الأوروبية لتؤكد أن الفساد قد طم وعم مؤسسات القطاع العام الخاضعة لإشراف السلطة الفلسطينية، ومن تمكن الفساد من مفاصلة لا يقوى على التفكير السوي، ومن هنا؛ فإن كل القصور والخذلان والغدر هو نتاج للفساد المالي، والأب الروحي للفساد المالي هو الفساد السياسي، وهو السبب في غياب القانون، والفساد السياسي هو السبب في حالة التكالب على المصالح والارتزاق على حساب مصالح المجتمع التي باتت نهباً للفاسدين.
فهل سيصلح الاتحاد الأوربي الأصل، وهو الفساد السياسي؟ أم سيكتفي بالمسح الخارجي على الفساد المالي؟
4ـ الالتزام بتجنب خطاب الكراهية والتحريض على العنف.
وهنا يتدخل الاتحاد الأوربي في صلب القضية الفلسطينية، فبند تجنب خطاب الكراهية والتحريض ضد العنف يعني أن لا حق لنا نحن الفلسطينيين في أرض فلسطين، وأن لا حق لنا في اتهام العدو "الإسرائيلي" بالإرهاب، والإبادة الجماعية، ولا حق لنا نحن الفلسطينيين في البكاء على أرضنا التي اغتصبها الصهاينة، فقد تكون دموعنا مادة تحريض ضد الغاصبين.
ولو سألت الاتحاد الأوربي: ما هو العنف؟ لكان الجواب، الحجر ضد العدو "الإسرائيلي" عنفاً، شتيمة العدو الإسرائيلي عنفاً، مجرد ذكر كلمة العدو تعتبر عنفاً لفظياً، "فإسرائيل" ليست عدواً، إنها الجار والصديق والرفيق والحبيب العادل الرحمن الرحيم.
5ـ إعداد خطة لإصلاح التعليم بما في ذلك تحديث المنهج الدراسي.
هذا البند يعني أن كل ثقافتنا الوطنية زائفة وزائلة، وعلى السلطة الفلسطينية أن تعاود رسم معالم الثقافة الفلسطينية، والتي تقوم على تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية بأرض فلسطين، وتجاهل تضحيات الشهداء، واعتبار الدم الفلسطيني النازف في عروق الوطن فائض حياة، وعدم احترام عذابات الجرحى، واعتبار الاسرى خلف القضبان عصاة طغاة، يستحقون ما لحق بهم من عذاب، مع الاعتراف بحق العدو بأرض فلسطين.
شروط الاتحاد الأوربي تدخلت في سن التقاعد، وفي التحويلات العلاجية للخارج، وفي الانفاق الزائد، وأشياء كثيرة تؤكد على وجود فساد ينخر عظم السلطة، وكي يضمن الاتحاد الأوربي انصياع السلطة الفلسطينية لأوامره، وزع المساعدات على ثلاث دفعات، ولن يصير تسليم الدفعة الثانية في نهاية أغسطس من هذا العام إلا بعد أن تقدم السلطة ما يؤكد انصياعها للشروط الأوروبية، مع تخليها الكامل عن السيادة الوطنية.
فهل سيصلح الاتحاد الأوربي فساد السلطة الفلسطينية؟ أم ستكتفي السلطة بتعديل مناهج التعليم، والزيادة في تحسين العلاقة مع "إسرائيل"، وتجنب خطاب الكراهية، الكراهية التي لا تمارسها القيادة الفلسطينية إلا ضد رجال المقاومة، وضد الشعب المقاوم؟