قد يشير موقف نتنياهو من المصالحة إلى منهجه وسياسته بالتعامل مع القضايا السياسية الداخلية والخارجية على حد سواء، وقد ازداد ظهورًا في السنوات الأخيرة، إذ تعيش حكومته في حالة من التناقض بين متطلبات السياسة الدولية والإقليمية، التي تتطلب مرونة معينة، ومتطلبات السياسة الداخلية الرامية بالدرجة الأولى إلى بقاء حكومته اليمينية مستقرة، ما يجبر نتنياهو على مزيد من التشدد والتصلب (على تشدده)، على الأقل من حيث النغمة واللهجة؛ ومتطلبات الواقع الفعلي.
وقد تكون هذه الحالة موجودة لدى بعض السياسيين، ولكنها بارزة بل مبالغًا بها لدى نتنياهو، ما حدا بمحللين إسرائيليين بالدرجة الأولى إلى إطلاق اسم نتنياهو (أ)، ونتنياهو (ب)، ونتنياهو (ج).
موقف نتنياهو من المصالحة الفلسطينية اتسم في البداية بالحدة والعصبية في تصريحاته بمستوطنة (معاليه أدوميم)، وأمام جمهور كتلة (ليكود) قبل عشرة أيام تقريبًا، وكرره بطريقة أخرى في بيته في أثناء حفلته الخاصة بعيد "العرش" قبل أربعة أيام تقريبًا، إذ قال عن المصالحة: "إنها مصالحة وهمية، ولن نقبل بها لأنها تأتي على حساب وجودنا، ويجب أن يعترفوا بـ(إسرائيل) يهودية، وأن ينزعوا سلاح القسام، ويقطعوا العلاقات مع إيران".
مقابل ذلك كان موقفه الرسمي بعد توقيع اتفاق المصالحة، فاتسم الموقف برفض المصالحة بأسلوب دبلوماسي وموزون نسبيًّا، حمل فيه المسؤولية أيضًا عن أي تصعيد للسلطة وحماس على حد سواء.
أما الموقف الفعلي لنتنياهو فقد كان عدم تعطيل المصالحة، وعمليًّا الموافقة المسبقة عليها، إذ لم يستخدم كيان الاحتلال أيًّا من أوراقه الكثيرة والهامة، التي تمكنه من تعطيلها، إن قرر ورغب.
وهكذا نحن بين ثلاثة مواقف تقريبًا لنتنياهو وحكومته، قد يسمي بعض هذا حنكة سياسية لنتنياهو لبقائه في السلطة، وقد يسميه بعض آخرون تلونًا وارتباكًا، ولكنها على الأرجح متطلبات السياسة الداخلية الإسرائيلية التي تسيطر عليها السياسة الصغيرة، ما يمنع نتنياهو من أن يكون سياسيًّا محنكا كبيرًا، إنما سياسي تسيطر عليه السياسة الداخلية في الغالب.
أما في حالة المصالحة فقد استطاع أن يجد طريقًا _وإن كانت ملتوية ومتلونة_ إلى التوفيق بين متطلبات الواقع والسياسة الإقليمية، وتوصيات المستوى الأمني في الكيان، التي تجبره على عدم تعطيل المصالحة؛ وقوى اليمين المتطرف.