فلسطين أون لاين

فقدت زوجها و3 من أبنائها

تقرير قصة: شيماء الغول وعائلتها بـ"عيد الأضحى" .. فرحة ومراسم جميلة قتلها الاحتلال

...
قصة: شيماء الغول وعائلتها بـ"عيد الأضحى" .. فرحة ومراسم جميلة قتلها الاحتلال
غزة/ يحيى اليعقوبي:

تنظر إلى شاشة التلفاز المعلقة على حائط غرفتها في إحدى المستشفيات بدولة قطر تحاول التعافي من أثر إصابتها من قصف منزلها في 12 فبراير/ شباط 2024، تشاهد صور حجاج بيت الله الحرام في لحظة تغلبها فيها دموع الحسرة والفقد، تستقبل عيد الأضحى بلا زوجها عبد الله أبو جزر فعزما على أداء فريضة الحج معا لهذا العام، وبلا أبنائها الشهداء محمد (14 عاما) وجنان (11 عاما) وجنينها عبد الله الذي لم يكتب له أن يطلق صرخة الحياة فنالت منه شظية إسرائيلية وهو في بطنها.

تمر أيام عيد الأضحى ثقيلة على قلب أم اعتادت على استقباله بكل بهجة وفرحة هي وعائلتها، بدءًا من تنظيف البيت كحال باقي الأسر والعائلات في غزة وغسل السجاد وتعليق بعض الزينة وتجهيز صالة استقبال الضيوف، وغسل النوافذ والأرضيات وشراء ملابس العيد للأولاد وبطاقات "العيديات" والكعك والمعمول، وصيام يوم عرفة.

جرح غائر

لم يبقَ مما سبق سوى صور وثقتها لاستقبالها الأعياد السابقة بقيت على هاتفها المحمول، تتوقف عند صورة جنان وهي تلتقط صورة بجانب أحد العجول وصورتها وهي ترتدي فستان العيد وترسم الفرحة خطا عريضا على ملامحها، لينتهي بها التنقل بين الصور والذكريات لصورة دامية لجنان بعد قصف طائرات الاحتلال المنزل فوق رؤوس العائلة دون سابق إنذار ومن شدة القصف علقت ثياب طفلتها على أحد جدران المنزل في مشهد عكس دموية الجريمة تلك.

رغم جرحها الغائر تحاول الغول قدر المستطاع إبعاد طفليها  الناجين حذيفة وهو توأم جنان، ومريم (6 سنوات) عن كل ما تعيشه من ألم فقد، ولا يتوقف ذلك الثبات عند حبس دموعها أمامهم، وإن غلبتها تلك القطرات التي تعزو سببها لألم الإصابة.

لم تمانع الغول بأن يحضر أهل الخير في قطر ملابس جديدة للصلاة وللعيد لطفليها، مدركةً أن عجلة الحياة يجب أن تدور مهما كان الجرح والثمن الذي دفعته، وأن يعيش طفليها أنصاف فرحة بعيدا عن غزة وعن منزلها المدمر عن قبور والدهم وأخوتهم الشهداء، أما لدى شيماء "فلا عيد أمام هذه الغصة" تقول لـ "فلسطين أون لاين" بصوتٍ يعتصره الألم.

ارتدى حذيفة عباءة قطرية وشقيقته مريم ارتدت أخرى، بكل شغف وقف الطفلان أمام والدتهم التي رسمت ابتسامة فرح  اختفى خلفها ألم الفقد، تحاول التماسك أمام طفليها وعيش مراسم الفرح أمامهم والبكاء من ورائهم أو مع ساعات الليل حينما ينام الطفلان.

الكثير من الذكريات تحضر حديثها قائلة عن ذكريات العيد "كان عبد الله يعتكف منذ صلاة الفجر حتى صلاة المغرب يوم عرفة، يستغل كل دقيقة من هذا اليوم الفضيل في عبادة الله، وبعد الإفطار نذهب لرؤية الأضاحي وشراء المكسرات والحلوى".

يأتي صباح كل عيد وتذهب العائلة للصلاة ثم حضور ذبح الأضحية إذا وفقهم المولى في شراء أضحية، "بعد انتهاء الذبح وتقطيع اللحوم نعود للبيت مرة أخرى نتناول الفطور ونرتدي ملابس العيد يذهب زوجي لمعايدة أقاربه بينما أنتظر في البيت قدوم أقاربي" تستذكر.

كان ابنها الأكبر "محمد" ينتظر قدوم أيام عيد الأضحى بفارغ الصبر، كي يذهب إلى حظيرة العجول ويعايش بفرحة كبيرة شراء الأهالي للأضاحي، ولا ينام ليلة العيد بانتظار حلول الصباح للمشاركة في الذبح وتقطيع الأضحية.

يمتلئ صوتها بغصة الفقد "لو لم تحدث المجزرة ولم يستشهد زوجي، لكنا الآن سويا في بيت الله الحرام نؤدي فريضة الحج التي اتفقنا على أدائها معا".

رائحة الشهادة

قبل استشهاده بيوم، طلب زوجها منها أن تصنع المعمول رغم أنها كانت حامل بالشهر التاسع وجاءها بعض ألم المخاض، ومع ذلك تحاملت على نفسها واستيقظت صبيحة يوم الأحد (يوم القصف نفسه) وأعدت المعمول وهي متعبة، تقول: "ساعدتني ابنتي جنان فيه، وأخذ زوجي كمية منه لأصدقائه وكان سعيدا، والحمد لله أنني لبيتُ له آخر أمنية".

تتابع  "جهزت كمية أخرى من المعمول في علبٍ، لكي أوزعه في صباح اليوم التالي على الأقارب، وعندما جاؤوا للمشفى بعد القصف كانوا مستغربين من تناثر المعمول على الأرض فأخبرتهم أنني كنت أنوي إرساله لهم، فكانت حياتنا أشبه بعيد دائم مع زوجي والآن لا بهجة للعيد بدونه".

سافرت الغول للعلاج في قطر وتركت قلبها خلفها في محافظة رفح التي تعيش فيها، فهي لا تفارق شاشات الأخبار ولا تتصفح سوى المواقع الإخبارية لمتابعة كل ما يجري داخل غزة، تعيش الحزن ذاته وإن كان جسدها المنهك بألم المصابة هناك، "فمن شرب من كأس الفقد أكثر من يشعر به عندما يشرب منه الآخرون " أوصلتها تجربتها الأليمة لهذه القناعة.

جعلت الغول صفحتها الشخصية على موقع "فيسبوك" منصة لإحياء ذكرى زوجها القارئ والحافظ لكتاب الله والمعروف بصوته الندي وخطبه الدينية على منابر المساجد، فيعرفه أهل رفح، ولا تنقطع عن نشر مقاطع مرئية وهو يؤم بالمصلين.

بعد إصابتها بيومين وضعت مولودها وكان شهيدًا بسبب شظية قطعت الحبل السري مما أدى لاختناقه، فطلبت أن يدفنوه في حضن والده، واسمته "عبد الله".

قبل القصف بيوم قدمت طفلتها جنان مبلغا ماليا لصديقتها الطفلة في مدرسة الإيواء التي عاشت فيها العائلة 125 يوما من النزوح بعيدا عن منزلها، مقابل أن تساعدها صديقتها في اقناع أمها بعدم العودة للمنزل، تنقلها الذكرى لحوار أخير مع طفلتها "ألحت علي يوم الأحد أن نذهب لننام بالمدرسة وليس البيت ولكن وجع الحمل منعني من الاستجابة لطلبها وحدث القصف ورحلت مع والدها وشقيقيها".