فلسطين أون لاين

​70 % من أراضيه ضاعت في مشاريع سكنية وجامعية

موقع تل السكن.. موقع أثري يناضل من أجل البقاء

...
وقفة ضد هدم موقع تل السكن الأثري وسط قطاع غزة (تصوير / رمضان الأغا)
غزة - صفاء عاشور

لا يزال موقع تل السكن الأثري جنوب مدينة غزة يتعرض للتجريف من قبل جهات غير معلومة، رغم صدور قرار من وزارة السياحة والأثار بوقف عمليات التجريف فيه ، وإعلان سلطة الأراضي بتطويق المكان ومنع أي أحد من الاقتراب منه.

حيث نشرت حسابات مهتمة بقضية تل السكن فيديو على موقع التواصل الاجتماعي فيديو يعرض وجود جرافات تعمل على تجريف الأراضي في موقع تل السكن يوم أمس، السبت رغم صدور قرار من وزارة السياحة والأثار بوقف أعمال التجريف في تلك المنطقة.

ويعتبر تل السكن هو من أهم المواقع الأثرية في غزة، التي يعود تاريخها إلى العصر البرونزي المبكر (3300-2300 ق.م)، وهو أقدم مركز إداري مصري محصن في فلسطين، ويقع التل شمال وادي غزة الذي يبعد 5 كم جنوب مدينة غزة، على تربة رملية كركارية، بارتفاع 30 مترًا عن سطح البحر.

انتهاك للسيادة

مدير عام الأثار في وزارة السياحة والآثار، د. جمال أبو ريدة أكد أن الوزارة غير راضية على أعمال التجريف غير القانونية التي يتم القيام بها في موقع تل السكن، مشدداً على أن هذه الأعمال هي عبارة عن "استهتار بسلطة الوزارة وسيادتها على موقع تل السكن".

وأوضح في حديث لـ"فلسطين" أن موقع تل السكن مصنف كموقع أثري ويتبع للوزارة السياحة والآثار، وتم تأكيد هذا الأمر بعد قيام بعثة فرنسية بالتنقيب فيه في أواخر التسعينيات ولكن العمل توقف بسبب بدء الانتفاضة والحصار.

وأشار أبو ريدة أن سلطة الأراضي خصصت 10 دونمات من الجهة الجنوبي من التل للموظفين الحكوميين وفي هذا مخالفة لقرار مجلس الوزراء الذي خصص الأرض لوزارة السياحة والآثار وهي أرض مستملكة بقرار من مجلسا لوزارة للسياحة والأثار.

وبين أن الوزارة لم تتوفر لها الامكانيات للقيام بأعمال تنقيب في موقع تل السكن خاصة أن أعمال التنقيب تحتاج أدوات خاصة غير متوفرة لدى الوزارة، لافتاً إلى أن الوزارة لم يتوفر لها وضع سياج لحماية الموقع أو تخصيص حراس للمكان.

ونوه أبو ريدة إلى أنه تم تقديم أكثر من مشروع للمانحين والمؤسسات الدولية ولكن هناك تجاهل من قبلهم ويرفضون القيام بأعمال ترميم في المواقع الأثرية، مشيراً إلى أن أعمال التنقيب والترميم تحتاج لمبالغ باهظة.

وأشار إلى أن سلطة الأراضي فاهمة القانون خطأ ولا يجوز استملاك الأراضي بهذه الطريقة، فالأرض ملك لوزارة السياحة والآثار والقانون يحق للوزارة حق في استملاك الأرض حتى لو كانت ملك لأشخاص بعينهم.

طالب أبو ريدة سلطة الأراضي بوقف كل أعمال التجريف "غير القانونية" داعياً المانحين تمويل مشاريع لوزارة السياحة والأثار حيث يوجد مواقع كثيرة تحتاج للحماية والترميم للاستمرار في المحافظة على التاريخ والإرث الفلسطيني.

تجريف مستمر

الباحث والمختص في الآثار، فضل العطل أكد استمرار عمليات التجريف في المنطقة أمس، السبت، وأنه عندما ذهب للاستفسار عما يقوم به بعض الأشخاص الذين تواجدوا في المنطقة "ادعوا أنهم أصحاب تلك الأرض ويحق لهم فعل ما يريدون فيها".

وأوضح في حديث لـ"فلسطين" أن استمرار عمليات التجريف رغم قرار وزارة السياحة والآثار يوقفها يعني استمرار انتهاك هذه الأرض التاريخية التي تمثل التاريخ الحقيقي لفلسطين ولمدينة غزة.

وأشار العطل إلى أن عمليات البناء في موقع تل السكن منذ ما يزيد عن عشرون سنة أضاع 70% من أراضي الموقع، مؤكداً على أهمية الحفاظ على الـ30% المتبقية من الأرض والتي تقدر مساحتها بـ30 ألف متر مربع.

وقال إن:" موقع تل السكن ككل مواقع الآثار اكتشف بطريق الصدفة أثناء بناء أبراج الظافر التي يطلق عليها "أبراج الوقائي" في تسعينات القرن الماضي، وبعد ذلك تم اثبات أن المكان هو عبارة عن مكان أثري ويجب وقف العمل والبناء فيه".

وأضاف العطل إن:" البناء لم يتوقف ففي سنة 2007 تم بناء جامعة فلسطين في ذلك المكان، وبعدها في 2010 تم بناء جامعة غزة من الناحية الشمالية لتل السكن، أما في 2017 فتم تخصيص منطقة ف الجهة الجنوبية للتل لمشاريع اسكانية للموظفين".

وأكد أن مساحة تل السكن تناقصت بسبب هذه المشاريع من 200 ألف متر مربع وهي مساحة موقع تل السكن إلى 30 ألف متر مكعب فقط، أي أن نسبة هدم الموقع بلغت 70%، مشدداً على أن على جميع الجهات الحكومية والخاصة العمل جاهداً لوقف ضياع ما تبقى من التل.

ونوه الهطل إلى أن قرار وزارة السياحة والآثار صدر منذ حوالي 6 شهور إلا أن عمليات التجريف لا تزال مستمرة، مناشداً جميع الجهات المختصة والغيورة على التاريخ الفلسطيني الحفاظ على موقع تل السكن الذي يعتبر إرث فلسطيني عمره أكثر من 3500 سنة.

سلطة الأراضي

من جهته، أكد وكيل سلطة الأراضي كامل أبو ماضي أنه تم تحديد منطقة الأثار الموجودة في تل السكن وذلك بالاتفاق ما بين وزارة السياحة وسلطة الأراضي والإدارات الحكومية بأنها منطقة آثار ولا يمكن البناء فيها.

وقال في حديث لـ"فلسطين" :" تم تخصيص أرض للموظفين في تلك المنطقة بالخطأ ولكن بعد أن تم إبلاغنا بهذا، قمنا بالتواصل مع الجهات المسئولة ليتم منع الناس من دخول المكان وإغلاق تل السكان واعتبار مكان أثري".

وأضاف أبو ماضي إن:" مشروع إسكان الموظفين لن يتأثر مطلقاً بالتوقف عن العمل في موقع تل السكن وسيتم الفصل بين مشروع الموظفين والمكان الأثري".

توافق حكومي

في السياق ذاته، أصدر المكتب الإعلامي الحكومي بيان حول موقع تل السكن الأثري حيث تم عقد اجتماع بمقر الأمانة العامة لمجلس الوزراء شارك فيه النيابة العامة، وزارة السياحة والاثار، سلطة الأراضي والمكتب الاعلامي الحكومي وجرى خلاله استعراض كل ما أثير حول المنطقة وقرار الجهات الحكومية بالخصوص.

وأكد البيان أنه تم الاتفاق على أن تقوم وزارة السياحة والآثار وإلى جانبها كافة الجهات الرسمية بالتزامها المحافظة على آثار وحضارة الشعب الفلسطيني وحمايتها من الاندثار أو الاعتداء عليها.

وبين أن الوزارة ستضع الخطط والمشاريع المستقبلية لمواصلة عملية التنقيب والحفريات في هذا الموقع الأثري، والسعي للتنسيق مع الجهات العربية والدولية للبدء بخطوات جادة من الحفريات لكشف جوانب تاريخية وحضارية من تاريخ فلسطين القديم.

وشدد البيان على ضرورة الالتزام بعدم السماح ومنع أي أعمال تجريف في المنطقة التي جرى تحديدها وتخصيصها كحرم للموقع الأثري "تل السكن"، بحضور الخبير الفرنسي وعدد من أساتذة التاريخ في الجامعات الفلسطينية والواقعة بين حدود أبراج الظافر جنوباً، حتى جامعة غزة شمالاً، ومن جامعة فلسطين غرباً حتى حدود الشارع الهيكلي شرقاً، على أن يخضع هذا الموقع بالحدود المذكورة سابقاً "كموقع أثرى" لسلطة وزارة السياحة والآثار.

وطالب البيان أن تقوم سلطة الأراضي بأعمال رفع المساحة وإسقاط الخرائط الورقية على الواقع وتركيب الزوايا وتحديد الحدود للموقع خلال ٢٤ساعة، وأن يتم إضافة الشارع الهيكلي المجاور للموقع كملحق للحرم الأثري حتي انتهاء مرحلة التنقيب والحفريات المتعلقة بالموقع.

وأوضح أن الاجتماع بين الوزارات المعنية توافق على أن تتولى وزارة السياحة تسييج محيط الموقع بالحدود المشار إليها وتقوم بوضع لافتات إرشادية وتعريفية واضحة بحدود الحرم الأثري بالكامل وذلك خلال أسبوع.

وأن تقوم سلطة الأراضي بتعيين حراسة دائمة للموقع تضاف لحراسة وزارة السياحة والاثار على مدار 24 ساعة، حتى انتهاء أعمال التسوية حول الموقع، وأن تستمر عمليات تسوية الأراضي وإقامة الإنشاءات خارج إطار الحرم الأثري بمراقبة واطلاع وزارة السياحة والآثار.

وأكد البيان على ضرورة أن تعمل وزارة السياحة والآثار لإدراج الموقع في كافة المخططات الهيكلية والإقليمية المعتمدة والمعمول بها في قطاع غزة كموقع أثرى.