في الشهر التاسع من الحرب على غزة، يقف العدو الإسرائيلي عاجزاً وحائراً وخائراً أمام الصمود الأسطوري لأهل غزة، وأمام المقاومة الباسلة، التي أعيت قدرات العدو، وجعلت من جيشه مهزلة في عين المجتمع الإسرائيلي نفسه، وهو الجيش الذي حظي على مدار عشرات السنين بتقدير وإعجاب وافتخار الشباب الإسرائيلي، واعتزازهم بالانتماء للجيش، فبعد الحرب على غزة، تدنت نسبة المعجبين بالجيش الإسرائيلي في أوساط الشباب من أغلبية تتجاوز نسبة 90% إلى نسبة لا تتعدى 57%.
الاستخفاف بقدرات الجيش ما كان ليتحقق بهذه السرعة لولا صمود أهل غزة، ولولا جرأة وشجاعة وتضحية أولئك الرجال الذين حملوا على أكتافهم مسؤولية الدفاع عن أرض فلسطين، وحماية مقدساتها الإسلامية والمسيحية.
صمود أهل غزة البطلة هو الشاخص الذي ستصوب إليه الخطوات الأمنية والسياسية الصهيونية القادمة، فقد أعلن مجلس الحرب الإسرائيلي أنه يفتش عن عملاء في أوساط سكان شمال قطاع غزة، مهمتهم إدارة حكم الناس في غزة، بعيداً عن إرادة الشعب، ولأجل ذلك تطلق الطائرات الإسرائيلية صواريخها على رجال الشرطة، وعلى كل من يدير العمل المدني داخل أوساط الشعب الفلسطيني، فالخطة الإسرائيلية تقوم على تدمير الأمن الداخلي في غزة، ونشر الفوضى والفساد، وزعزعة الاستقرار الأمني، ولاسيما بعد فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أدنى انتصار في الميدان ضد رجال المقاومة.
العدو الإسرائيلي الذي يخطط لفرض الحكم العسكري على سكان غزة لفترة محدودة؛ كما يقترح ذلك الوزير آفي ديختر، رئيس جهاز الشاباك السابق العدو الإسرائيلي الذي اعتمد سياسة تدمير المجتمع، واجتثاث مقومات الحياة، وتجويع الناس وترحيلهم، وخلق حالة من اليأس في أوساط الشباب، ذاك العدو يفتش اليوم عن أذرع محلية، من داخل سكان قطاع غزة، يمكنهم من السيطرة على مناحي الحياة في غزة، ويساعدهم بالسلاح والمال على بسط نفوذهم على السكان، من خلال تقديم المساعدات العينية والغذائية للسكان الذين يعانون من أوضاع معيشية صعبة، سعى إليها الاحتلال على مدار ثمانية أشهر من العدوان والحصار، يهدف الوصول بأهل غزة إلى لحظة الإحباط، ومن ثم تقديم العملاء كمنقذين، وحاملي خشبة الخلاص من المعاناة.
لقد نجح العدو الإسرائيلي متحالفاً مع بريطانيا العظمى قبل تسعين عاماً في الالتفاف على ثورة 36 ، والقضاء عليها من خلال العملاء، وما عرف في ذلك الوقت بكتائب السلام الفلسطينية، وهذا ما لن يتحقق للعدو في هذه المرحلة، فالوعي الوطني الذي ضرب أطنابه في أوساط الناس، لن يسمح للعملاء أن يرفعوا رؤوسهم، وجاهزية المقاومة للتعامل بالعنف الثوري مع كل ساقط، تسول له نفسه جني ثمار الجوع والمعاناة التي صفعت سكان غزة، سيحول دون ذلك، ولاسيما بعد إدراك المجتمع الفلسطيني أن كل ما وقع عليه من بطش وقتل وتهجير وتجويع وتشريد وعذاب كان سياسة إسرائيلية مدروسة ومنهجية، تهدف إلى تدمير الروح المعنوية للشعب الفلسطيني، وهذا ما لم يتحقق للعدو حتى هذه اللحظة، وهذا ما يجب الانتباه إلية في قادم الأيام، ولاسيما بعد الاعتراف العلني لقادة العدو العسكريين والسياسيين بالفشل، والعجز عن تحقيق أدنى انتصار على غزة، يحفظ للكيان الصهيوني مكانته وهيبته الذي داسها الشعب الفلسطيني بحذاء الصمود والتضحية.