فلسطين أون لاين

تقرير مخيم جباليا.. دمار وخراب بفعل الاجتياح "الإسرائيلي" يقابله صمود من السكان

...
غزة/ نور الدين صالح

على اعتاب مخيم جباليا للاجئين شمالي قطاع غزة يبدو المشهد قاتمًا وقاسيًا من حجم الدمار والخراب الذي أحدثته قوات الاحتلال "الإسرائيلي" خلال اجتياحها الأخير للمخيم على مدار عشرين يوماً.

منازل متجاورة تهاوت جدرانها واختلطت مع بعضها البعض على جانبي الطريق وأصبحت "أكوام من الحجارة" تفاصيلها اختفت من شدة هول الإجرام الإسرائيلي، ومنازل ومحال تجارية أخرى تغيّرت ملامحها بعدما أحرقها جيش الاحتلال المجرم واكتست باللون الأسود.

الشوارع أصبحت مدمرة لا تصلح لسير المواطنين عليها بفعل الحفريات التي أصابتها، وعلى جانب الشارع المعروف باسم "حمدان" على بُعد أمتار قليلة مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" انهارت جدرانها التي كانت تحمي آلاف النازحين الذين لجأوا إليها من مختلف مناطق شمال غزة بعدما قُصفت منازلهم. 

ورغم الدمار الذي لحق بالمدرسة إلا أن عدداً من النازحين عادوا لها وبدأوا بتنظيف الصفوف الدراسية من أجل العودة للمبيت بها، في ظل انعدام الأماكن التي تأوي عائلاتهم، بعدما ضاقت بهم السُبل.

حتى الأموات لم يسلموا من بطش الاحتلال فقد نبشت آلياته العسكرية عدّة قبور داخل المقبرة المعروفة باسم "الفالوجا" الواقعة على مدخل مخيم جباليا شمالي القطاع.

يواصل مراسل "فلسطين أون لاين" جولته بين أزقة المخيم، فكلّما تقدّم أكثر تزداد بشاعة الإجرام الإسرائيلي، فهناك منطقة ما تُعرف بـ "الترنس" وسط المخيم المعروفة باكتظاظها وحيويتها كونها تضم محالاً تجارية، لكنها اليوم أصبحت عبارة عن أكوام من "الحجارة والحديد"، بلا روّاد.

"كأن زلزالاً ضرب المخيم فغيّر ملامحه" تلك الكلمات التي كانت تتردد على ألسن سكان المخيم المتجذرين به منذ سنوات طويلة، وهو يتفقدون منازلهم ومحالهم التجارية وما حلّ بهم بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي.

يحاول المواطن أبو عمر المقيد الوصول إلى منزله الواقع في "بلوك 4" وسط مخيم جباليا بعدما انهارت جدرانه من شدة القصف الذي طاله، واختلطت مع منازل جيرانه، من أجل تفقده علّ يجد زاوية فيه يحتمي بها مع عائلته التي نزحت إلى منطقة غرب مدينة غزة طيلة فترة الاجتياح الإسرائيلي.

يوزع المقيد نظراته نحو بيته تارة والبيوت المحيطة به تارةً أخرى، فيقول: "هذا مخيمنا الذي وُلدنا فيه وتجذرنا فيه وسنكبر فيه وسيعيش أبنائنا فيه بكرامة".

ويضيف وملامح الصمود ترتسم على وجهه القمحي "رغم هذا الدمار الكبير الذي لا تعلم به بيتك من بيت جارك، جدرانك من جدران احبابك، خرجنا هائمين على وجوهنا قرابة 20 يوماً، نعود إليه رغم هذا الدمار ولن نترك بيتنا ولا مخيمنا".

ويُكمل "سمعنا عبر التاريخ بمصطلح الإبادة والمحرقة، ولكن ما عشناه ليس إبادة أو محرقة بل هو موت محقق، فهذه آلة موت تفرم كل من تسير بطريقها".

يبعث المقيد رسالة ممزوجة بالقهر لكل الضمائر الحية في العالم أجمع "عليكم أن تستفيقوا من هذا الصمت والسبات، إلا يكفي ما يمر به القطاع منذ ما يزيد عن 230 يوماً من إبادة ومأساة ودمار".

جباليا1.jpg

جاره الشاب عبد الهادي فلفل تجرّع من ذات الكأس، حيث يقول "حينما عُدت إلى معسكر جباليا تفاجأت بحجم الدمار الذي طال كل مرافق المخيم بعد انسحاب الاحتلال منه".

ويحكي فلفل "أصبح من الصعب الوصول لمنزلي بسبب الدمار الهائل الذي طاله والمنازل المجاورة له؛ بعد انسحاب الاحتلال ليس هناك مجال للحياة فلا يوجد أي شيء من مقوماتها".

بصوت يمتزج بالصبر والصمود يحكي فلفل "رغم هول الدمار الذي حلّ بمخيمنا، سنبقى صامدين وصابرين، فكلما اُحكمت حلقاتها فُرجت بإذن الله".

جباليا2.jpg

أما الشاب أحمد عبد السلام لم يكن أفضل حظاً من سابقيه حيث يقول: "نعود في بلوك 4 في جباليا بعد 20 يوماً من الاجتياح والدخول البري لهذه المنطقة، لنحاول أن نجد ما نستظل به من حجارة بيوتنا".

ويتابع عبد السلام: "لكننا للأسف وجدنا أكوام من الحجارة التي امتزجت بعضها ببعض، وأغراض متناثرة يصعب على أصحابها الانتفاع بها".

ويُكمل بصوت الصامد "يبدو أن الغل كان مسيطراً على هذا الجيش وهو يحاول الدخول لهذا المخيم، ليرسل رسالته عبر هذا المشهد الواسع من الدمار".

يُشير بأصابعه نحو منزله المدمر ويرسل رسالة "الغريب أن كل مشاهد الدمار القديمة والحديثة لم تجد من العالم إلا صمتاً مطبقاً"، ويختم حديثه "إلى متى يُمكن أن يستمر هذا الحال وكم نحتاج إلى مزيد من القتل والتدمير واستباحة البشر والحجر في هذه المنطقة كي يستفيق العرب والمسلمون وأحرار الأمة؟".

جباليا4.jpg

وأسفر العدوان "الإسرائيلي" الذي انطلقت شرارته في السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ولا يزال مستمراً في شهره الثامن على التوالي عن استشهاد أكثر من 35 ألفاً وإصابة 78 ألفاً آخرين- معظمهم من النساء والأطفال- كما تسبب العدوان في تدمير هائل للبنية التحتية مخلفاً "كارثة إنسانية غير مسبوقة"، وفقاً لتقارير فلسطينية ودولية.