لا زالت عملية "طوفان الأقصى" تشكل هاجسًا كبيرًا وفشلًا ذريعًا لدى الاحتلال الإسرائيلي، على المستوى العسكري والسياسي، بدايةً حين حطمت صورة "الجيش الذي لا يقهر"، كما أفقدت "قادة ورؤوساء" مستقبلهم السياسي، أما على المستوى النفسي والمجتمعي فشكلت صدمة وحدثًا لا تزول آثاره أو ذكراه، دفعت الكثير ممن نجوا من ذاك اليوم أمام خيارين أحلاهم مرًا، "إما مغادرة "الكيان الغاصب" أو المكوث في أزمات نفسية تنتهي لدى البعض منهم بـ "الانتحار".
وفي السياق، أفادت تقارير عبرية، اعتمادًا على شهادات ناجين، أنه أقدم نحو 50 مشاركاً بمهرجان موسيقي، نُظم قرب كيبوتس رعيم بغلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، على الانتحار، جرّاء مضاعفات أثر الصدمة النفسية التي لحقت بهم لاحقاً، بحسب ما كشفه أحد الناجين أمام لجنة رقابة في الكنيست، اليوم الثلاثاء.
وأدلى غاي بن شمعون، وهو أحد الأشخاص الذين شاركوا في المهرجان الموسيقي، بشهادته بالقول: إن "هناك ما يقرب من 50 حالة انتحار من الأشخاص الذين شاركوا في نوفا"، وذلك من جراء مضاعفات أثر الصدمة النفسية التي لحقت بهم، وعدم تلقيهم المساعدة والعلاج اللازم.
بدورها، تحدثت إحدى الناجيات من المهرجان عن سوء حالتها الصحية بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مشيرة إلى أن متوسط ساعات نومها هو ساعتان في الليلة.
فيما قالت نعمة إيتان، ناجية أخرى من الحفلة، في المناقشة ذاتها: "لولا طبيبتي النفسية لما كنت هنا، لدي أصدقاء لم ينهضوا من السرير بعد وآخرون لا يوجد من يستجيب لاحتياجاتهم".
وتابعت إيتان: "شاركت في دراسة فحصت نبضي وغيره من المؤشرات وكشفت لي مدى سوء حالتي الصحية، متوسط ساعات نومي هو ساعتين في الليلة".
وأشارت هيئة البث العبرية إلى أنه "تم طلب رأي مراقب الدولة بشأن معاملة السلطات للناجين من نوفا".
وأضافت: "طُلِب من وزارة الصحة توضيح أن هذا الرقم الخاص بعدد حالات الانتحار من نوفا غير صحيح".
كما نقلت هيئة البث عن أور ناسا، إحدى المشاركات في الجلسة، قولها إن "صديقة لها توقفت عن العمل بسبب نوبة نفسية تعرضت لها، لكن أطباء التأمين الوطني لم يعترفوا بها كضحية عمل". وأضافت: "أنا بحاجة للذهاب إلى طبيب نفسي، ولكن لا يوجد موعد سوى بعد مدة 5 أشهر أخرى".
2800 جندى في قائمة "التأهيل النفسي"
في وقت سابق من العام الماضي، قرر قسم التأهيل في جيش الاحتلال، إطلاق برنامج لمساعدة الجنود الذين يعانون من الاضطرابات النفسية بسبب الحرب في غزة.
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن مسؤولين قولهم إنه سيتم تشكيل فرق من ممرضين، وأطباء نفسيين، يستطيعون التعامل مع الميول الانتحارية من أجل إجراء تقييم للجنود الذين يعانون من اضطرابات نفسية.
وتابعت بأن الحرب على غزة تفرض ثمنًا باهظًا لا يطاق في الأرواح، والإصابات الجسدية، والاضطرابات النفسية، خصوصا بين المعاقين من جنود جيش الاحتلال.
ولفتت الصحيفة إلى أن 2800 جندي دخلوا إلى قائمة إعادة التأهيل النفسي بينهم 3% يعانون من حالة خطيرة، و18% من مشاكل عقلية بسبب "إجهاد ما بعد الصدمة".
ونقلت عن رئيسة وحدة الخدمة الاجتماعية في قسم إعادة التأهيل في وزارة الحرب، نوا روفا، قولها إن هنالك من يعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة، الذين يتصلون بمشرفيهم، أو أفراد أسرهم، طلبا للإغاثة، موضحة أنه لا يوجد حل لهذه المشكلة حاليا، مؤكدة أن الأعداد سوف تتضاعف خلال عامين.
وتابعت: "عندما يكون لدي جندي معاق يخبرني بأنه في محنة وقرر الذهاب إلى الغابة، أو عزل نفسه، وأن لديه أفكارا سيئة، ويفكر في إيذاء نفسه، الشيء الوحيد الذي نفعله هو إخبار الشرطة. وفي كثير من الأحيان، يؤدي استدعاء الشرطة إلى تفاقم الوضع".
وأضافت: "من هنا ولدت فكرة فريق الأزمات وهي وحدات متنقلة على مدار الساعة، من ممرضين، وأطباء نفسيين، يعرفون كيف يتعاملون مع الميول الانتحارية، إلى جانب مسعفين".
ونشرت الصحيفة في نهاية التقرير أرقاما مخصصة للمساعدة في حالات التفكير بالانتحار، طالبة من المعنيين أو من يعرف أحدا يعاني من ميول انتحارية، الاتصال وطلب المساعدة.
قتلوا بـ "نيران صديقة"
وكانت صحيفة "هآرتس" قد كشفت أن مروحية عسكرية إسرائيلية هي من أطلقت النار على المشاركين في "مهرجان نوفا" خلال محاولتها استهداف مقاتلين في فصائل المقاومة الفلسطينية وصلوا إلى مكان الحفل.
وذكرت "هآرتس" أن تقييمات المؤسسة الأمنية أظهرت أن "مروحية قتالية تابعة للجيش الإسرائيلي، وصلت إلى مكان الحفل وأطلقت النار على منفذي هجمات هناك، وكما يبدو أصابت أيضاً بعض المشاركين في المهرجان"، وبحسب شرطة الاحتلال، قُتل نحو 364 شخصاً من المشاركين في المهرجان الموسيقي.
في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلقت "حماس" وفصائل فلسطينية في غزة عملية عسكرية سمّتها "طوفان الأقصى"، رداً على اعتداءات القوات والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصى في القدس المحتلة.