فلسطين أون لاين

الشارع الأردني يتحرر ويدعو الشوارع

أخبار سارة تتوارد من شوارع الأردن من عاصمتها ومن مدنها، أخيرا تحرك شارع عربي بقوة وعجزت أجهزة القمع العربية المتخصصة في رده على أعقابه. كنا نتابع حركة التضامن الشعبي الكبيرة مع غزة والتي عبرت عنها حملة تبرعات فعالة ساهم فيها فقراء الأردن ربما أكثر من أغنيائه، وقد وجدت شحنات غذائية طريقها إلى غزة برغم الحصار المصري عبر سيناء؛ مشهد ذكرنا بمشهد تسريب الأقوات للمحاصرين في المعازل كما جسده فيلم عمر المختار.. القليل الذي يشعر المحاصر أن له من يفكر فيه خارج الأسلاك.

شارع حي

حركة الشارع الأردني ومحاصرة سفارة الكيان خاصة كشفت للعدو قبل الصديق أن شعب الأردن لم يطبع ولم يسر في خط تمويل العدو بالغذاء والسلاح، وهذه معركة تحرر فتحتها حرب الطوفان في مكان قريب وسيكون لها أثر فعال.

ما جمعناه من معطيات حول حركة الشارع الأردني تفيد بأن التحرك لم يشمل سكان العاصمة فحسب بل تحركت مدن تعتبر بعيدة عن المركز مثل العقبة، ولم يتحرك فلسطينيو الأردن فحسب بل تحرك كل الأردنيين وشاركت العشائر (شرق الأردن) بكثافة لافتة.

الشعارات كلها مع غزة ومع مقاومتها ووصلت إلى مبايعة قيادة المعركة (السنوار) بلا مواربة أو تمويه أو تخف وراء كلمة مقاومة في عمومها. شجاعة لافتة من شارع مسيس؛ ولكنه يعرف كل الانقسامات الأيديولوجية التي تعيشها شوارع العرب السياسية وتمنعها من التحرك إلى جانب غزة.

هذا الحراك الذي بدأ مع أول معركة الطوفان ثم خبا قليلا كما خبت بقية الشوارع ثم عاد قويا، ويبدو أنه سيستمر وقد يتصاعد، ترك لدينا ما يشبه القناعة بأنه شارع عالج عوائقه الداخلية وخصوصا الخروج من مستنقع الأيدولوجيا المتعفن الذي دمر وعي النخب والشوارع وحيّدها، بل حوّل الكثير منها إلى صف العدو نكاية في السنوار ومن معه. هذه بشارات تضاف إلى نتائج معركة الطوفان؛ أن تعالج المعركة من هناك عوائق الوعي هنا.

شارع مبادر يستنصر

الارتباط الأردني الفلسطيني أقوى من كل علاقات العرب مع فلسطين، هذه أحكام الجغرافيا والتاريخ، ولذلك فإن تحرك الأردن يأتي في سياق طبيعي لشعب يدافع عن نفسه أمام عدوان على أرض هي له بالقوة، وبأقل القليل من الوعي التاريخي يعرف الأردني أن الدور عليه بعد غزة وقد جرب ذلك في حروب سابقة، والعدو الوقح لا يستحي أن يخطط لتصدير بقية الفلسطينيين إلى الأردن (فهو غير معني بما يصيب الأردن). هذا يجعل الأردن، أعني الشارع لا النظام، معنيا بالتحرك مع غزة ومع الضفة ولو بعقل وقائي يستبق كارثة قادمة.

لكن كل هذه العوامل لا تعفي بقية الشوارع العربية من مهمتها في إسناد غزة فهذا فرض عين لا فرض كفاية، لذلك فإن الشارع الأردني إذ يناصر غزة فإنه يستفز/ يستنصر بقية الشوارع أن تقوم بدورها ولا تتواكل على جملة باردة من قبيل الأردن يدافع عن نفسه، لأن من يدمر غزة لن يتوقف عند غزة ولا عند الأردن بل إن مشروعه أوسع وقد كشفه.

التقط الشارع المصري النداء، ورد الفعل المصري الأول عبرت عنه نقابة الصحفيين وهي الصوت الوحيد الحي حتى الآن في أرض المليونيات الثقيلة الوزن سياسيا. متى يتوسع الحراك في الشارع المصري؟ لا نزعم القدرة على الإجابة عن مثل هذا السؤال، فالنداء واضح وصريح وهو في جوهره تلبية لنداء غزة وقد استصرخت إخوتها والإنسانية في كل مكان. لقد أذهلنا كمتابعين قوة القمع المسلطة على شارع مصري حي ومبادر وفيه نخبة تعرف واجبها القومي بل قبل ذلك واجبها الوطني، فمصر هدف دائم للاحتلال والتخريب الصهيوني. هل يتوسع تحرك الصحفيين ويثير الشارع؟ نأمل ذلك لأن الشارع المصري يغير المعادلات فعلا.

 

أهمية حركة الشارع العربي الآن

صريخ غزة سمع في شوارع العرب منذ الأيام الأولى للحرب. كانت الاستجابات متقطعة وخجولة ثم همدت، وجاء رمضان وكان العدو متخوفا من رمضان أكثر مما كانت الشوارع تستعد للإسناد في رمضان. أصاب الصمت العربي غزة بألم كبير وخيبة لن تنساها، لكن كل ما سبق يمكن تجاوزه إذا وعت الشوارع اللحظة الراهنة من الحرب.

إنها لحظة التفاوض على مصير غزة، والعدو يريد أن يكسب بالتفاوض والتجويع والحصار ما لم ينل بالقتل الوحشي. لقد حصّلت المقاومة في غزة مكاسب بثمن موجع، والعدو يريد تفريغها من مضمونها وله تاريخ طويل وتقاليد في ذلك. لقد عدّل المفاوض الفلسطيني مطالبه وأظهر مرونة ووجب على الشارع العربي أن يفهم ذلك كمؤشر على قوة الضغوط المسلطة عليه، وبالتالي حاجته للإسناد المعنوي والسياسي. ولن يكتفي العدو بكل التنازلات فمطلبه محو الفلسطيني من الخارطة، لذلك فإن غزة تحتاج الإسناد في السلم أكثر مما قد تكون احتاجته في الحرب.

هل تعود الشوارع العربية إلى الحركة في الثلث الأخير من رمضان لتخفف عن غزة أحزان العيد الذي لن يأكل فيه الطفل الفلسطيني (أعني الطفل الباقي على قيد الحياة بعد) حلوى ولن يلبس الجديد؟

رسالة الشارع الأردني القوية واضحة وهي تستصرخ مع نداءات غزة والأمل أن لا تكون صرخة في واد عربي مقفر من النخوة والشهامة. سيكون العيد قاسيا على أطفال غزة، وقد يخفف الألم إذا وصلت صور من شوارع عربية مثل صور الشارع الأردني إلى أطفال غزة المتشوفين إلى بصيص أمل.