فلسطين أون لاين

ارتقى خلال "مجزرة الطحين"

تقرير الشاب "آدم أبو قمر".. دفع حياته ثمناً من أجل توفير "لقمة كريمة" لعائلته

...

يوزع الشاب آدم أبو قمر (16 عاماً) نظراته المليئة بالحسرة نحو أفراد عائلته الشاحبة التي نهش بطونها الجوع لعدة أيام بسبب نقص أبسط مقومات الحياة وهو "الدقيق" والأرز وبعض الأصناف الأخرى، نتيجة سياسة التجويع التي تنتهجها سلطات الاحتلال في مناطق شمال قطاع غزة.

لم يحتمل "آدم" الذي ينحدر من مخيم جباليا شمال غزة، ذلك المشهد الموجع، الأمر الذي دفعه للتفكير ملياً في وسيلة يجلب من خلالها ما يسد "رمق أشقائه، لا سّيما الأطفال منهم، إذ بدأت الأفكار تتلاطم في ذهنه، إلى أن اختتم جولة التفكير بقرار الذهاب إلى مفترق "النابلسي" في حي الشيخ عجلين جنوب غرب مدينة غزة، حيث تأتي المساعدات إلى مناطق شمال القطاع.

جاء قرار "آدم" بعد صولات وجولات أجراها في عدة أسواق بغزة في سبيل تأمين الطعام "بلا نتيجة"، حسبما يروي محمد أبو قمر ابن عم "آدم"، لكن لم يدر بخلده أن ذلك المشوار سيكون ثمنه "إزهاق روحه وارتقائها نحو بارئها".

ويحكي أبو قمر لمراسل "فلسطين أون لاين" أن "آدم" بدأ قبل عدة أيام من استشهاده، بالتفكير في الذهاب إلى منطقة دوار الكويت الواقع على شارع صلاح الدين جنوب مدينة غزة.

ففي الـ 20 من فبراير/ شباط الماضي، ومع ساعات الفجر وقبل أن تسدل الشمس خيوطها استيقظ "آدم" فوجد أشقاءه يتضورون جوعاً بسبب عدم وجود الطعام، فحزم أمتعته وقرر الذهاب إلى مفترق "النابلسي" في حي الشيخ عجلين، لإحضار الطحين لهم، وفق "أبو قمر".

انتظر برهة من الوقت وهو ينتظر قدوم المساعدات إلى جانب عشرات آلاف المواطنين الذين يواصلون الليل بالنهار هناك، حتى طلّت تلك الشاحنات بمقدماتها وهي محملة بـ "الدقيق والمُعلبات".

همّ "آدم" باستقبال تلك الشاحنات وراح يجري مُسرعاً نحوها والأمل يراود تفكيره بجلب بعضاً من تلك المساعدات "لكن يا فرحة ما تمت"، فقبل أن يصلها فتحت دبابات الاحتلال "الإسرائيلي" وطائراته المُسيّرة نيرانها صوب المتواجدين هناك "بلا رحمة".

يقول أبو قمر إنه "حذّر آدم عدة مرات بعدم الذهاب إلى أماكن قدوم المساعدات لكن دون جدوى، ورأيته وهو خارج إلى مفترق النابلسي وحاولت إقناعه ولم يستجب"، صمت قليلاً والتقط أنفاسه متنهداً "لكن الجوع كافر (..) حسبنا الله ونعم الوكيل".

يتجرّع أبو قمر الألم ثم يحكي "آدم هو الأبن الأكبر لعائلته، ووالده يعمل في الأراضي المحتلة قبل بداية العدوان في السابع من أكتوبر الماضي، وحتى الآن لم يتم التواصل معه ولا معلومات عنه".

ويُكمل "بعدما سمعنا عن تلك المجزرة توجهنا إلى مجمع الشفاء الطبي للبحث عن آدم لنجده واحداً من بين الشهداء الذين كانوا ضحايا البحث عن طعام لعائلاتهم".

وارتكب جيش الاحتلال "الإسرائيلي" مجزرة المواطنين المتجمهرين قرب "دوار النابلسي" نهاية شهر فبراير الماضي، خلّفت أكثر من مائة شهيد وعشرات الإصابات، وذلك ضمن سياسة التجويع الممنهحة ضد سكان شمال القطاع تحديداً.

رحل "آدم" تاركاً خلفه أمه وشقيقه الصغير وخمسة من الأخوات "بلا مُعيل"، ودون تمكنه من تأمين "رغيف الخبز" لهم، وبقيت عائلته كما آلاف العائلات التي نخر الجوع بطونها في مناطق شمال قطاع غزة.

ويجتاح الجوع بطون عشرات الغزيين القاطنين في محافظتي غزة والشمال القطاع، بفعل الحصار المجحف الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مدار أكثر من 5 شهور ضمن مسلسل الإجرام "الإسرائيلي" في خضم العدوان الممنهج على القطاع الذي اشتعل نيرانه في السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما أدى إلى تداعيات خطيرة على الأوضاع الإنسانية.

وتتخذ "إسرائيل" أطفال ونساء القطاع وقوداً لحربها الطاحنة، في ظل انخفاض الإمدادات الغذائية إلى أكثر من النصف مقارنة لما جرى الاتفاق عليه بالدخول شمال القطاع خلال هذا العام، وهو أنتج حالة من الاكتظاظ وتدافع في طلب المساعدات بين السكان هناك وفق منشور لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" عبر حسابها على منصة "أكس".

وتطال سياسة التجويع نحو نصف مليون نسمة شمال قطاع غزة، وفق إحصائيات رسمية لمنظمات أممية بسبب العراقيل المجحفة التي تضعها (إسرائيل) على المساعدات لتمنع وصولها لمختلف مناطق القطاع ولا سيما الشمال.