تعرف جرائم الحرب بأنها تلك الانتهاكات لقوانين الحرب أو القانون الدولي، التي تعرض شخصًا للمسؤولية الجنائية الفردية، ولم يتبنَّ المجتمع الدولي فكرة المعاقبة على جرائم الحرب بسهولة، إنما مرت هذه الفكرة بعدة مراحل، من معاهدة فرساي 1919، واتفاق لندن 1945، واتفاقات جنيف 1949، وقد اعتبر المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الأولى انتهاكات معينة لقوانين الحرب جرائم، وأدخل تعديلات على اتفاقَي لاهاي لعام 1899 وعام 1907.
وبحسب المعاهدات الدولية التي نظمت قوانين الحروب، هناك أنواع للجرائم: تعذيب الأسرى أو إساءة معاملتهم أو إعدامهم؛ الجرائم الموجهة ضد المدنيين والتعدي على الممتلكات الشخصية؛ التشغيل والتهجير القسري؛ والتعذيب والإبادة الجماعية.
وتشمل الجرائم ضد الإنسانية: القتل والإبادة والتعذيب والتهجير والإبعاد والاستبعاد والإرهاب والاعتقال غير الشرعي والاضطهاد، لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية، سواء كانت فردية أو جماعية، ويلحق بهذه الأعمال تلك الشبيهة بها التي تقترف ضد المدنيين في المناطق المحتلة.
ما أبرز الانتهاكات الإسرائيلية بغزة وفق القانون الدولي؟
استنادًا إلى اتفاقية جنيف الثالثة أو الرابعة واتفاقية لاهاي لقواعد الحرب البرية وقرار الجنائية الدولية، لم يبقَ شيء لم تقترفه قوات الاحتلال خلال عدوانها المستمر على غزة، إلا وأنه يصبّ في سياسة التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، وكل ما حصل بقطاع غزة ينطبق عليه القانون الدولي بكل تفاصيله، بحسب مدير مركز شمس لحقوق الإنسان في رام الله الدكتور عمر رحال.
وأوضح رحال، أن أبرز الانتهاكات التي تصنَّف على أنها جريمة حرب، تتمثل في الاستهداف المتعمد والمباشر للمدنيين، وتعمُّد سياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية، وتشمل الجرائم ضد الإنسانية الإبادة وإبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، كإجبار أهل القطاع على النزوح، والإخفاء القسري للأسرى، وسياسة التجويع وتدمير المنظومة الصحية.
كيف أوثّق جريمة حرب من داخل غزة؟
من حسن الحظ، أن رفع الشكوى وتقديم الأدلة للمحكمة الجنائية الدولية لا يقتصر على الحكومات أو الدول، إذ بإمكان أي فرد متضرر من هذه الحرب من داخل غزة أو من خارجها التواصل مع المحكمة وتقديم الشكاوى أو الأدلة.
ويوضّح مدير مركز شمس لحقوق الإنسان، أن الصحفيين بغزة نقلوا شهاداتهم عن تلك الجرائم من عين المكان، وهذا التوثيق أدّى إلى بناء وتشكيل رأي عام مناصر للشعب الفلسطيني، وأدّى إلى تغيير الرأي العام بعد أيام من بداية العدوان.
إلى جانب أن ما يتم توثيقه من عين المكان من الجرائم والقرائن أدلة مهمة جدًّا لمسارَين، الأول مرتبط ببناء رأي عام دولي، وهو مسار آني ولحظي لتوثيق ونقل ما يجري من جرائم، وهذا يساعدنا على مستوى الرأي العام الدولي وعلى المستوي السياسي، وإلى جانب ذلك والأهم ستساعدنا هذه الأدلة والقرائن على أن يتم استخدامها في إدانة الاحتلال.
“لولا هذه التوثيقات والأدلة التي يقدمها الصحفيون والصحفيات، لم ولن نستطيع أن نفتح ملفات جرائم “إسرائيل” بغزة على المستوى الدولي، أو أن نكوّن ونوثّق للذاكرة البعيدة والأجيال القادمة ما حصل من انتهاكات. هذه التوثيقات ستبقى تذكّر العالم بهذا البطش وهذه الجرائم والمذابح التي ارتكبها الاحتلال، لأنها لن تُمحى من الذاكرة كما لن يفلت الاحتلال من إنكارها ومن ثم العقاب”.
وإلى جانب هذه الأدلة، يمكن الاحتفاظ بأجزاء من بقايا شظايا أو رصاص، مع الحذر الشديد من البقايا المتفجّرة أو المسمّمة، لتقديمها من قبل أفراد فقدوا أفراد عائلاتهم، أو شهود على جرائم حرب.
يمكن التبليغ عن الانتهاكات كأفراد، من خلال ما أتاحته المحكمة الدولية عبر مواقعها الإلكترونية من نماذج (اضغط هنا للوصول إلى نموذج التبليغ) لاستقبال الشهادات بشكل مباشر إلى المحكمة الجنائية الدولية، وسيتم ضمّها إلى الملف الخاص بالانتهاكات في غزة.
وعلى الصعيد المحلي، تستقبل 4 مؤسسات فلسطينية الأدلة على الانتهاكات وترسلها إلى الجنائية الدولية، وهي مؤسسة الحق، والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان – ديوان المظالم، ومؤسسة الضمير، ومؤسسة الميزان.
أخيرًا، من المهم جدًّا لإثبات حالة الإبادة الناتجة عن الحصار، توثيق اليوميات بالساعة والمكان، فالإبادة فعل طويل الأمد، ويجب إثباته من خلال توثيق أثره الممتد زمنيًّا.
هل من جدوى؟
من جهته، يقول أستاذ القانون الدولي ورئيس اتحاد المحامين العرب في باريس، مجيد بودن، إن “محاكم الجنائيات الدولية تعاقب مرتكبي كل هذه الجرائم والانتهاكات، فهناك سلسلة من الأشخاص تحت طائلة المحاسبة، بداية من الذي أعطى القرار وحتى الذي نفّذه، ولا يمكن للّذي نفّذ أن يتحجّج بأنه لم يصنع القرار، ولا يمكن للّذي قرر أن يقول أنا لم أنفّذ، كلاهما تحت تهمة ارتكاب فعل إجرامي مسترسل في القانون الدولي”.
ويشير رئيس اتحاد المحامين العرب في باريس، إلى أن المحكمة الجنائية الدولية من الممكن أن تتتبّع كل شخص أو جهة تقوم بتلك الانتهاكات، وتاليًا الواجبات الحقوقية والقانونية تطبَّق، وكما تطبَّق في أوكرانيا تطبَّق بغزة، القانون ينظر إلى الناس على أنهم سواسية، مهما كانت جنسيتهم وعرقهم وانتماءاتهم، وهنا تتمثل قوة القانون، وإن لم يقع احترام القانون فهذا لا يعني أن مبادئ القانون تضرب بعرض الحائط.
“في القانون لا يمكن لطرف أن يتحصل على حقه دون المطالبة به، وفلسطين عضو في محكمة الجنائيات الدولية، وحتى لو كانت “إسرائيل” رافضة للعضوية فإن الاختصاص ثابت في المحكمة الدولية في نظامها الأساسي. فلسطين لها الحق في ملاحقة جرائم “إسرائيل” أمام محاكم الجنائيات الدولية، لأنها عضو في هذه المحكمة، ومهما طال الزمن أو قصر تجب المثابرة على التقاضي، وأيًّا كانت الصعوبات ستأتي النتيجة”، وفقًا لحديث أستاذ القانون مجيد بودن.
ويحثّ مدير مركز شمس للإعلام الحقوقي، الفلسطينيين على ألا يسقطوا أي من الخيارات والمسارات التي تهدف إلى محاكمة “إسرائيل” وتوثق جرائمها خلال عدوانها على غزة، وأضاف: “نحن مقتنعون بأن العدالة لن تكون منجزة غدًا أو العام القادم، نعي جيدًا أن محكمة الجنائية الدولية يمارس عليها ضغوط كبيرة من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، الأمر الذي يعني أنه سيكون هناك تلكُّؤ ومواربة من قبل الجنائية الدولية لفتح تحقيقات أو اتخاذ قرار يتعلق بإدانة قادة “إسرائيل”، العسكريين منهم والسياسيين”.
“مع ذلك، لا يعني أننا نهمل هذا الجانب القانوني المهم، بل نستخدم كل الخيارات والمسارات، نحن على وعي ودراية أن الجنائية الدولية فيها الكثير من التنفيذ، مثلما قررت المحكمة الدولية قبل مرور عام على حرب روسيا وأوكرانيا أن بوتين “مطلوب للعدالة”، وقبله عمر البشير وغيره، ما يعني أن هناك ضغطًا لكن لا يمكن إسقاط هذه الخيارات، يومًا ما ستكون هذه التحقيقات في اتجاه القانون الدولي والمحاكم الدولية في لاهاي، وسيكون لها أثر في ملاحقة قادة العدو وحصارهم”، وفق تصوره.
وتُواصل قوات الاحتلال، منذ 7 أكتوبر 2023، حرب الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة، عبر قصف جوي ومدفعي ومن الزوارق الحربية البحرية، لكافة مناطق القطاع، مُستهدفة تدمير المنشآت المدنية والطبية على وجه الخصوص، ويكثف الطيران الحربي الإسرائيلي غاراته العنيفة بالأحزمة النارية على محافظة وسط قطاع غزة وجنوبها، واستمرار المجازر بحق المدنيين والأسر الفلسطينية وقصف المنازل على رؤوس ساكنيها.
وارتكبت قوات الاحتلال، وفقًا لتصريحات صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية، صباح اليوم الإثنين، 13 مجزرة جديدة ضد العائلات في قطاع غزة خلال الـ 24 ساعة الماضية، راح ضحيتها 124 مدنيًا فلسطينيًا وإصابة 210 مواطنين.
وارتفعت حصيلة العدوان العسكري الإسرائيلي على القطاع إلى 30 ألفًا و534 شهيدًا، بالإضافة لـ 71 ألفًا و920 جريحًا بإصابات متفاوتة بينها خطيرة وخطيرة جدًا؛ منذ الـ 7 من أكتوبر 2023 الماضي.
وبموازاة القصف، تواصل قوات الاحتلال سياسة التجويع التي لا تقلّ وطأةً عن القصف، إذ قالت وزارة الصحة في غزة إن الاحتلال الإسرائيلي يرتكب جرائم إبادة جماعية شماليّ غزة من خلال استهداف وتجويع 700 ألف مواطن، في حين جددت الأمم المتحدة تحذيرها من أن مجاعة في قطاع غزة "أصبحت شبه حتمية، ما لم يتغير شيء".