رغم أن القمة الأفريقية العادية الـ37 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا – والمنعقدة في 17-18 فبراير/شباط الجاري – حملت شعار: (تعليم أفريقي مناسب للقرن الـ21)، فإنها لم تغفل العديد من القضايا الساخنة في العلاقات الدولية، خاصةً في الشرق الأوسط، حيث العدوان الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وإذا كانت قضية فلسطين بندًا ثابتًا "وروتينيًا" في أعمال القمم السابقة، إلا أنها أخذت بعض الزخم في البيان الصادر عن القمة الأخيرة، والذي جاء متأثرًا – كما يبدو- بالموقف الأفريقي المشرّف الذي قدمته جنوب أفريقيا قبل حوالي شهرين من انعقادها، عندما رفعت دعوى أمام محكمة العدل الدولية، تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق أهل غزة.
لذا لا غرابة في أن يأتي البيان قويًا من حيث "اللهجة"، وإن كان يفتقد إلى إجراءات عملية ملموسة على أرض الواقع، حيث طالب بالوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي، وضرورة إدخال المساعدات الفورية لغزة، ورفض فكرة التهجير، والمطالبة بإنهاء الاحتلال "الاستعمار" الذي كان أحد المبادئ الأساسية في القانون التأسيسي لمنظمة الوحدة الأفريقية، ووريثها الاتحاد الأفريقي، مع ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
عضوية إسرائيل في الاتحاد بين الإرجاء والإنهاء
امتنع الاتحاد الأفريقي عن اعتماد منح إسرائيل صفة المراقب في هذه القمّة؛ بسبب أحداث غزة. وحرصت المفوضية الأفريقية على تأكيد أنها لم توجّه الدعوة لإسرائيل للحضور، كما أن وفدها الذي قدِم إلى أديس أبابا، فضلًا عن سفيرها لدى إثيوبيا، لم يسمح لهم بالدخول؛ خشية إحداث مزيد من البلبلة؛ بسبب حالة الشحن الأفريقي ضد تل أبيب بسبب أحداث غزة.
ورغم إعلان مسؤول كبير في الاتحاد أن ملف إسرائيل قد أغلق، فإن البعض الآخر- ومنهم كاتب هذه السطور- يرى أن الموضوع تم إرجاؤه وليس إغلاقه نهائيًا؛ بسبب استمرار الخلاف بين الدول الأعضاء بشأنه.
هذا التباين مرجعه إلى وجود 48 دولة من إجمالي 54 دولة أفريقية لها علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، سواء على مستوى السفارات أو القنصليات، ما يعني أن 90% من هذه الدول لها علاقة مع تل أبيب، وتتمتع بعلاقات كاملة معها على كل الأصعدة السياسية والدبلوماسية والتجارية والثقافية، ما يعني بصورة أخرى أن إسرائيل مرحّب بها في "أفريقيا".
ربما هذا ما دفع رئيس المفوضية موسى فكي، الذي وافق على منح إسرائيل هذه الصفة في عام 2021، إلى طرح هذا السؤال خلال إحاطته أمام اجتماع رؤساء الدول والحكومات في فبراير/شباط 2022، حيث اتهم بعض الدول الرافضة منحَ إسرائيل هذه الصفة بازدواجية المعايير، حيث إن الأغلبية -من وجهة نظره- تؤيّد إقامة علاقات ثنائية معها، فلماذا يرفض هؤلاء منحها صفة المراقب، رغم أن الاستحقاقات المترتبة عليها أقل بكثير من تلك المتعلقة بالتطبيع الدبلوماسي الثنائي معها؟!
هذا التباين ساهم في عدم صدور قرار واضح عن هذه القمة، أو غيرها من القمم السابقة بشأن هذا الموضوع، ما يعني أن الموضوع تم إرجاؤه وليس إغلاقه. وربما يتحيّن البعض الفرصة المناسبة لإعادة طرحه من جديد، كما أن تل أبيب لن تملّ بعد انتهاء حرب غزة من دفع بعض الدول "الصديقة" لإعادة طرحه من جديد.
التوازن الأفريقي بين إسرائيل وفلسطين
منذ مؤتمر مدريد للسلام 1991، عادت العلاقات الأفريقية مع إسرائيل إلى سيرتها الأولى، فشهدنا تسابقًا أفريقيًا محمومًا بشأن عودة هذه العلاقات. وتبنّى الأفارقة نهجًا متوازنًا في القضية الفلسطينية، يقوم على فكرة التعامل مع الطرفين: "إسرائيل، وفلسطين ممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية"، مع ضرورة تشجيع حل الدولتين.
لذا، فإن غالبية الدول الأفريقية التي تدين إسرائيل، وتطالب في المقابل بإقامة الدولة الفلسطينية، ترى أن هذه الدولة -من وجهة نظرها- لن تكون على حساب علاقتها بتل أبيب؛ تحقيقًا لمصالحها الشخصية من ناحية، ولأن هذا التطبيع، من وجهة نظرها، قد يساعد في "الضغط" على إسرائيل لإقامة الدولة الفلسطينية.
وفي المقابل، فإن البعض الآخر الرافض للتطبيع سواء على الصعيد العربي أو الأفريقي، يربطه بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية أولًا.
وربما هذا يفسر السلوك التصويتي للدول الأفريقية في المحافل الدولية، فرغم تطبيع 90% مع إسرائيل، فإن أكثر من 90% من هذه الدول وافقت على قرار الجمعية العامة A/RES/78/170 في 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بخصوص سيادة فلسطين على أراضيها، كما أن العديد من الدول المطبعة صوتت ضد إدانة حماس في الأمم المتحدة بسبب طوفان الأقصى؛" أفريقيا الوسطى، الكونغو، غامبيا، غينيا، زيمبابوي، السنغال".
من يمثل فلسطين؟
إذا كان الموقف الأفريقي قائمًا على فكرة التوازن في النظر للعلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية، إلا أنه على الصعيد الفلسطيني الداخلي يعترف بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي لفلسطين في المحافل الدولية، وهو ما تؤكده القرارات الصادرة عن القمم السابقة.
فالقمة الأفريقية قبل الماضية" 2023″ أكدت على سبيل المثال دعمها " الكامل للشعب الفلسطيني في كفاحه المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي، ممثلًا بمنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، من أجل استعادة حقوقه غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حق تقرير المصير، وعودة اللاجئين، والاستقلال في دولة فلسطين القائمة جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل".
صحيح أن الأفارقة يعترفون بحركات التحرر الوطني المناهضة للاستعمار، ورفض البعض التصويت ضد إدانة حماس في الأمم المتحدة، لكن تظل الدعوات الرسمية الأفريقية موجهة صوب منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، ولم يتم توجيه أية دعوة لممثلي حماس لحضور هذه القمة أو غيرها، رغم أنهم جزء من النسيج الوطني الفلسطيني، وهم الذين يقودون معركة التحرير للتخلص من الاحتلال "الاستعمار".
ويبدو أنّ طرح مثل هذه الفكرة قد يصطدم مع رغبة بعض الدول العربية والأفريقية في عدم إغضاب إسرائيل، أو حتى واشنطن التي تتهم الحركة بالإرهاب.
ومن ثَم يظل الموقف الأفريقي "الرسمي" في هذه الجزئية، متباينًا مع الموقف "الشعبي"، الذي يرى أن المنظمة والسلطة الفلسطينية، قد تجاوزتهما الأحداث، وأن حماس باتت في صدارة المشهد، ولا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال.