أظهر تقرير نشره موقع (إندبندت توركش) أن ثبات أهل غزة في وجه المجازر الإسرائيلية دفع حكومة الاحتلال لإرسال جنود من "يهود الفلاشا" إلى جبهة الحرب الأمامية وإلى أخطر النقاط.
وقال الكاتب محمد مظلوم جيليك، إن أبناء غزة دمروا 40% من الدبابات المعروفة باسم "ميركافا-4" منذ أكتوبر/تشرين الأول وفقا لبيانات الجيش الإسرائيلي، وليس وفقًا لبيانات حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وأضاف أن ذلك هو ما أجبر الجيش الإسرائيلي على نشر دبابات ميركافا-3 التي وصفها بـ"القمامة".
وقال الكاتب إن البيانات الإسرائيلية نفسها تشير إلى أن أكثر من 500 ألف يهودي غادروا منذ بداية الحرب، حيث كانت المهمة الأكثر أهمية لـ "إسرائيل" هي جلب اليهود الذين يعيشون في جميع أنحاء العالم إلى الشرق الأوسط، ولذلك يظهر هذا الرقم الذي لا يمكن الاستهانة به أو تجاهله.
الفلاشا
ويوضح الكاتب أن الوضع الحالي دفع حكومة الاحتلال لاختيار عناصر "يهود الفلاشا" لإرسالهم إلى جبهة الحرب الأمامية وإلى أخطر النقاط.
وذكر، أن الفلاشا برزوا في السابق إلى الواجهة عندما تم التخلص من الدم الذي جمع منهم في بنك الدم الإسرائيلي، حيث رفض الإسرائيليون استعمال دماءهم بدعوى احتمال ضم دمهم لفيروسات، لكن العالم كله كان يعلم أن هذا صورة من صور الفصل العنصري.
ولفت الكاتب إلى، أن معظم الإسرائيليين البيض يعتبرون الفلاشا غير يهود، لكن برغم ذلك يحتاجون إليهم في الحياة اليومية، لذلك بادرت "تل أبيب" فقط عام 1970 للاعتراف بالفلاشا كيهود يمكنهم القدوم إلى "إسرائيل".
واضطر الفلاشا، الذين جاؤوا إلى "إسرائيل" بأعداد كبيرة من إثيوبيا التي كانت وقتها تعاني من المجاعة، إلى العمل في أسوأ الوظائف وكانوا أول وحدات بالجيش يتم إرسالها إلى الجبهة.
ممارسات عنصرية
وذكر الكاتب أن "إسرائيل" لم تواجه أي مشكلات جدية فيما يتعلق بالاندماج الديني، لكن اليهود البيض واجهوا صعوبات جدية في قبول الفلاشا اجتماعيًا وقانونيا، وتسبب ذلك في مشكلات عديدة.
وأكد أنه بعد مقتل سولومون تيكاه (19 عامًا) على يد الشرطة "الإسرائيلية" عام 2019، لم يعد يهود الفلاشا قادرين على تحمل ممارسات "الفصل العنصري" بإسرائيل ونزلوا الشوارع، وكان تدخل الشرطة "همجيًا للغاية" ضد المحتجين.
في الواقع، يعتقد معظم اليهود البيض أن الفلاشيين هم في الواقع مسيحيون ولا علاقة لهم بدينهم. فيما اعتبر الكاتب أنه "بالنظر إلى أن بنك الدم الإسرائيلي يتخلص من دماء الفلاشا حتى اليوم، فإن السؤال عن سبب إرسال يهود الفلاشا في الوحدات الأمامية للشعب المضطهد في غزة يمكن الإجابة عليه بسهولة، ففي الوقت الراهن، تمنع الحرب في غزة انفجار الأزمات السياسية والاجتماعية في دولة الاحتلال الإسرائيلي".وأوضح أن استمرار الحرب على غزة يمنع حتى الآن انفجار الأزمات السياسية والاجتماعية داخل إسرائيل. وبالمقابل، أوصلت هذه الحرب النموذج الإسرائيلي إلى فشل ذريع، ولم يعد الإسرائيليون يؤمنون بأن إسرائيل مكان آمن.
نقطة تحول
بالعودة للتاريخ، كانت بداية السبعينيات نقطة تحول بكل ما يتعلق بالاهتمام باليهود من أصول أفريقية، والفلاشا على وجه الخصوص، وذلك وسط التباين بالمواقف والسجال بين كبار الحاخامات وحتى بعض الشخصيات السياسية التي شككت بيهودية الفلاشا، واعتبرت جذورها نصرانية.
ورغم التباين بالمواقف شهد مطلع سبعينيات القرن الماضي استجلاب 50 من طلاب يهود الفلاشا إلى أرض "العسل واللبن" ضمن مشروع تعليم التوراة بالقدس لأبناء الجاليات اليهودية حول العالم، وسبقت ذلك محاولات فردية للقدوم إلى إسرائيل عبر السودان.
ولم يحظ استقدام 50 من فتية الفلاشا استحسانا في "إسرائيل"، فعادوا أدراجهم إلى إثيوبيا بعد أن أنهوا تعليمهم الذي استمر عاما واحدا، دون أن يسمح لهم بالتوطين، وذلك بحسب ما ينص عليه المشروع التعليمي الذي تنفذه الحركة الصهيونية.
لكن عام 1973 شكل مرحة مفصلية حين أصدر كبار الحاخامات بـ "إسرائيل"، ومنهم حاخام الجالية الشرقية عودفاديا يوسف فتوى تعترف بيهودية الفلاشا، علما بأن المحاولات الأولى لعودة اليهود الإثيوبيين المسماة "عودة صهيون" كانت في خمسينيات القرن الماضي كجزء من النخبة الشابة مع 50 طفلا جاؤوا للدراسة والعودة إلى إثيوبيا.
حملات سرية
وعقب الفتوى طلب رئيس الوزراء آنذاك مناحيم بيغن عام 1977 إحضار يهود إثيوبيا إلى "أرض صهيون" فتم استقدام 30 عائلة من الجالية الإثيوبية دون الكشف عن تفاصيل إحضارها، لكن التقديرات تشير لأنه تم جلبهم عبر التسلل مرورا بالسودان.
وبحلول عام 1984، هاجر حوالي 3000-4000 من الفلاشا، معظمهم من منطقة تيغراي في إثيوبيا، إلى إسرائيل. والعام التالي استجلبت العملية السرية التي قادها الموساد باسم "حملة موشية" 8 آلاف من الفلاشا، معظمهم من منطقة جوندر ومحيطها.
وأعقب ذلك تنفيذ عدة حملات محدودة لاستقدام الفلاشا، لكن اللافت أن من خطط وأنجز هم الإدارة الأميركية، حيث تم إجلاء حوالي 1200 يهودي من السودان عام 1985 بمبادرة من جورج بوش نائب الرئيس الأميركي، كما تم جلب حوالي 800 يهودي في "حملة يهوشوع" بمساهمة العديد من النشطاء من يهود أميركا، لا سيما في مجال الدعم وجمع التبرعات.
وبعد فترة طويلة من الانفصال والشقاق بين العائلات الإثيوبية، بادرت الحكومة الإسرائيلية عام 1991 لعملية "لم شمل" عائلات يهودا الفلاشا، وأطلقت عملية خاصة لهذه الغاية عرفت بـ "حملة شلومو" وذلك برعاية واشنطن والجالية اليهودية بأميركا، حيث هاجر ما يقارب 15 ألفا من الفلاشا في يوم واحد، وبعد ذلك استمرت موجات وحملات الهجرة الصغيرة التي اتسمت بالعديد من التحديات.
المصدر : الجزيرة نت + وكالات