في القاهرة، اكتمل نصاب الحضور لعقد اجتماعات تتطلع إليها عيون الفلسطينيين أجمعين. حركتا حماس وفتح تتبادلان التأكيد على ضرورة تحقيق الوحدة، ويحيط بذلك ترقب فلسطيني حذر لما ستسفر عنه اللقاءات.
تفاهمات واتفاقات عدة وقعتها الحركتان خلال السنوات الماضية أبرزها اتفاق القاهرة في مايو/ أيار 2011م، الذي يفترض أن يشكل أرضية للحوار بين حماس وفتح الذي ينطلق اليوم، على أن تعقبه حوارات تضم جميع الفصائل الفلسطينية.
ولئن كانت هناك "كلمة سر" للمصالحة الوطنية، فهي "الشراكة". يُجمع على ذلك مسؤولون ومراقبون.
هذه الشراكة، تعني من منظور أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، "أن يقبل الطرفان ببعضهما البعض وبكافة القوى الفلسطينية، وأن يقبلا أن يجري التعاون سواء في إدارة الأمور الفلسطينية الداخلية، أو في إدارة حركة التحرر الوطني الفلسطيني، وكذلك نشوء قيادة وطنية موحدة".
ويقول البرغوثي، لصحيفة "فلسطين"، إن هذه القيادة الموحدة تنشأ "من خلال دخول الجميع إلى منظمة التحرير وأن تكون جميع القرارات السياسية والكفاحية مشتركة، وألا ينفرد أي طرف بالقرارات".
والأهم من ذلك –بحسب البرغوثي- "أن يقبل الجميع بالمبدأ الديمقراطي والعودة إلى الشعب وحكم الشعب، وهذا لا يمكن أن يتم بدون تحديد موعد الانتخابات للرئاسة والمجلسين التشريعي والوطني".
والطريق لتحقيق ذلك هو "أن يتم الاتفاق على التنفيذ الدقيق والسريع لاتفاق المصالحة الوطنية"، يتابع البرغوثي كلامه.
وعن إمكانية تحقيق ذلك في ظل الاحتلال، يجيب: "بالطبع، يمكن جدا"، مضيفا: "عندما أنشأنا حكومة وحدة وطنية (في 2007م برئاسة إسماعيل هنية) أنشأناها رغم الاحتلال، وإنْ بقينا متمسكين بآرائنا وحكومتنا الموحدة لما نجح الاحتلال في جرنا لهذا الانقسام".
ويرى البرغوثي أن الظروف مواتية لتحقيق الشراكة "إذا كانت النية متوفرة بشكل كامل لدى الطرفين"، منبها إلى أن مصر تلقي بكامل ثقلها باتجاه دعم المصالحة الفلسطينية.
ويقول أمين عام "المبادرة": "سنواصل الجهود بالتعاون مع حماس وفتح، ونأمل ألا يتأخر موعد دعوة جميع القوى للمشاركة في اللقاءات في القاهرة لأن هذا سيساعد الإخوة في الحركتين على الإسراع في الوصول لنتائج دقيقة".
مجلس وطني منتخب
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تعتقد أيضًا أن أساس المصالحة "تحقيق الشراكة الوطنية عبر الوصول لقناعة من كل الأطراف الفلسطينية بأن قضيتنا تحتاج إلى شراكة من الكل في إدارة الهم الوطني وتحديد البرامج السياسية والشراكة في كل القرارات السياسية والعسكرية وغير ذلك"؛ بحسب عضو اللجنة المركزية للجبهة حسين منصور.
ويوضح منصور في تصريحات لصحيفة "فلسطين"، أن الشراكة يجب أن تتحقق كذلك في بناء المجتمع الفلسطيني، "وأن نتجاوز مرحلة أن يكون الحزب الواحد هو من يقرر مصير الشعب الفلسطيني ومؤسساته".
ويضاف إلى ذلك بحسب منصور، أن تكون هناك قيادات فلسطينية منتخبة في كل مؤسسات الشعب الفلسطيني، ومنها انتخابات المجلس الوطني أينما أمكن والتوافق حيثما لا يمكن، ومن ثم تكون هناك قيادة تمثل الكل الفلسطيني تنتخب لجنة تنفيذية حقيقية تدير بقيادة جماعية شؤون الشعب.
ويتابع بأن مؤسسات السلطة الفلسطينية تحتاج أيضًا الشراكة السياسية والوطنية بمعنى أن تدار بعيدا "عن أي محسوبيات أو محاصصات؛ لأنها مؤسسات الشعب".
وينوه إلى أن حق الشعب الفلسطيني أن يعمل في كل مؤسسات السلطة وأجهزتها وإداراتها "دون النظر للانتماء السياسي أو اللون أو ما شابه"، مبينا أن من حق كل مواطن أن ينال فرصته في أن يقرر في الشأن السياسي الفلسطيني، بالشراكة دون أي تفرد.
ويعتبر المسؤول في "الشعبية" أن أكثر من 20 سنة "أثبتت أنه دون قيادة جماعية وشراكة لا نستطيع أن نحقق شيئا"، منوها إلى تغول الاحتلال والاستيطان.
وبشأن الالتزامات التي يفرضها اتفاق أوسلو على السلطة، يقول منصور إن هذا الاتفاق وملحقاته "هو ما أوصلنا لتآكل وضعف المشروع الوطني الفلسطيني"، معتبرا أن "أوسلو" لا يخدم إلا الاحتلال.
ويؤكد أن اتفاق أوسلو، "هو الذي كان السبب الرئيس في الانقسام"، مشيرا إلى أن الشعب الفلسطيني لم يكن موحدا على السير في مسار "أوسلو"، الذي يصفه بأنه "خاطئ يتنكر لكل الحقوق" الفلسطينية.
ويقول إن هذا الاتفاق "لا يلزم الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني"، مطالبا بالتحلل من هذا الاتفاق، والتوصل إلى برنامج سياسي جديد بتوافق وطني وقيادة وطنية موحدة.
أما أستاذ العلوم السياسية د. مخيمر أبو سعدة، فيجيب عن سؤال حول تحقيق الشراكة الفلسطينية، بقوله، إن اتفاق القاهرة 2011م "يشكل أرضية جيدة لمعالجة كافة القضايا الخلافية فيما يخص الأمن والانتخابات والمصالحة المجتمعية ومنظمة التحرير وغيره من القضايا".
وفي تصريحات لصحيفة "فلسطين"، يشير أبو سعدة إلى أن قضايا ظهرت كقضية الموظفين الذين عينتهم الحكومة الفلسطينية السابقة برئاسة إسماعيل هنية في قطاع غزة، مبينا أن اتفاق القاهرة "لم يعالج هذه القضية".
ويرى أن "أساس النجاح يعتمد على مبدأ الشراكة السياسية"، مؤكدا أن أي فصيل فلسطيني لا يستطيع إلغاء الفصيل الآخر.
ويتابع: "بالتالي يجب التفاهم على أرضية الشراكة السياسية بمعنى أن كلا من حماس وفتح لهما إسهاماتهما في المشروع الوطني وتطوير هذا المشروع وإنجاز التحرر والاستقلال"، موضحا أن توفر القناعة بذلك يمكن "أن يذلل الكثير من المشاكل".
ويقول أبو سعدة، إن مصر "لن تسمح بفشل المصالحة، ولكنها بحاجة إلى دعم عربي"، مشيرا إلى أنه قد تكون هناك ضرورة لدعم مالي عربي لحل قضية الموظفين "لأنه لا الأمريكيون ولا الأوروبيون سيوافقون على حل مشكلة الموظفين، ومفترض أن تكون هناك مساهمة عربية مالية لحلها".
وينوه المحلل السياسي إلى أن الانتخابات وحدها ليست كافية للخروج "من المأزق الحالي"، مؤكدا أن الشراكة السياسية تعني أن حماس وفتح شركاء في بناء الوطن وإدارته على المستوى الاجتماعي والسياسي والخدماتي.
ويردف: "مفهوم الشراكة السياسية أنه حتى الحكومة التي بعد تشكل الانتخابات تكون حكومة وحدة وطنية تقوم على مبدأ الشراكة وليس على مبدأ إلغاء الآخر".
ويتمم أبو سعدة بأن فلسطين واقعة تحت الاحتلال، "ولا يستطيع حزب سياسي أو قوة سياسية أن تبني الوطن لوحدها، بالتالي لا بد من شراكة سياسية لبناء الوطن".
تبدو "الشراكة" بذلك "سيدة المعايير" للحكم على مدى تحقق المصالحة، التي لا تزال الآمال الشعبية تحيط بها كل جانب.