بينما كانت تعم حالة من الهدوء الحذر في أرجاء قطاع غزة، وعقارب الساعة تقترب من السادسة والنصف صباح أول من أمس، يغط أطفال المواطن نذير شعبان في نومهم العميق، يحلمون بحياة مليئة بالهدوء كباقي أطفال العالم.
لم يدر بخلد هؤلاء الأطفال الأربعة الذين يقطنون بين عائلتهم في منزل ينحدر في منطقة الشيخ رضوان غرب مدينة غزة أن هناك احتلال إسرائيلي مجرم يتربص بهم، داس على قوانين الإنسانية والرحمة التي أقرتها المؤسسات الحقوقية في العالم.
"دون سابق إنذار"، أطلقت طائرات حربية إسرائيلية من نوع "أف 16"، صاروخاً ثقيلاً استقر في ذلك المنزل المكون من ثلاثة طوابق ويضم ثلاث عائلات وهم والدي "نذير" وأشقائه".
دخان أسود تصاعد من المنزل وحجارة تطايرت هنا وهناك، حجّبت الرؤية عن الجيران والذين جاءوا للنجدة لما يزيد عن 15 دقيقة، حسبما يقول فادي جمعة أحد جيران عائلة "شعبان".
حالة من الذعر والخوف وصراخ من الأطفال والنساء عمّ أرجاء المنزل الذي اختفت ملامحه بفعل القصف، يصف جمعة وهو صديق الشهيد لمراسل "فلسطين"، هول المشهد "دمار كبير في المنزل اخفت معالمه".
طواقم الإسعاف والدفاع المدني التي تواجد في المكان عقب القصف، أخذت تفتش بين الحجارة عن أفراد العائلة لتجد "نذير وزوجته وأطفاله الأربعة" تحت الركام قد فارقت روحهم إلى بارئها وتم نقلهم إلى "ثلاجات الموتى"، بينما أصيب عددٌ آخر من أفراد العائلات نُقلوا عبر سيارات الإسعاف إلى مجمع الشفاء الطبي لتلقي العلاج.
"مجزرة حقيقية ارتكبتها سلطات الاحتلال بحق عائلة شعبان"، هكذا يصف "جمعة" المشهد الذي حلّ في عائلة شعبان ومنزلهم الذي أصبح غير صالح للسكن بفعل الدمار الذي حلّ به.
ترثي شقيقة بسمة شعبان شقيقة الشهيد "نذير" عبر صفحتها على فيسبوك، "حبيب قلبي وروح فؤادي والأخ الأقرب إلى قلبي، إلى جنات الخلد ونعيم مقيم في الفردوس الأعلى".
وتضيف "أنتم الاكرم منا جميعا، القلب يعتصر ألم وقهر ولكن لا نقول الا ما يرضي الله، انا لله وانا اليه راجعون (..) موعدنا أن نلقاك في الجنة".
روحت على الجنة
ثم تُكمل بكلمات ممزوجة بالألم "أنت روحت على الجنة وتركتنا أحنا أموات من بعدك يا حبيبي يا أبو عمر(..) والله ما بتخيل حياتي من دونك وحاسة حالي لسة بحلم يا رب تصبرني وتصبر أمي وأبي وأخواتي كلهم".
وعقب ارتقاء "نذير وعائلته" صاحب السيرة الحسنه، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بنشر صور وفيديوهات له تُظهر مناقبه الحسنة، لا سيّما أنه حافظ لكتاب الله تعالى، ويؤم في المصلين في مسجد النور والإيمان القريب من منزله، حيث وُصف بأنها "صاحب الصوت الندي".
ويعدد صديقه الآخر أكرم سميح مناقب "نذير" الذي يعمل في جهاز الدفاع المدني، قائلاً: "شب محترم جداً ومن حفظة القرآن الكريم، ويشارك في إمامة المساجد القريبة من منطقة سكنه، خاصة في شهر رمضان".
"حالة من الصدمة أصابتني وتفاجأت كثيراً بارتقاء نذير، سنفقده نحن وتفقده المساجد"، هكذا يعبر سميح لـ "فلسطين"، عن اللحظات الأولى لارتقاء "نذير"، مشيراً إلى أنه يمتلك صوتاً ندياً في قراءة القرآن.
أما صديق "نذير" سعدو خلف، فكتب عبر صفحته على "فيسبوك": "استشهاد شيخنا وأخينا وزميلنا نذير شعبان في القصف الأخير في حي الشيخ رضوان، حامل السند المتصل وصاحب الصوت الندي الذي رافقنا في قيام ليالي رمضان على مدى السنوات الماضية".
وقال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة سلامة معروف في تصريح صحفي: "في الساعات الأخيرة ارتكب جيش الاحتلال مجازر بحق 15 عائلة، قصف منازلها بشكل مباشر دون سابق إنذار ما خلف عشرات الشهداء والإصابات غالبيتهم من النساء والأطفال".
وحمّل معروف، الاحتلال مسئولية ما يقوم به من مجازر بحق المدنيين، معتبراً إياها تضاف إلى جريمة الحصار والعقاب الجماعي الذي شدده المحتل خلال عدوانه الحالي، ما يفاقم الواقع الإنساني الصعب في قطاع غزة".