فلسطين أون لاين

رسائل وفاء صدحت بها حناجر الجماهير وكُتبت بدماء الشهداء

تقرير الهبّات التاريخية لأجل الأقصى.. محطات فاصلة قصمت المخططات الإسرائيلية

...
الهبّات التاريخية لأجل الأقصى- صورة أرشيفية
القدس المحتلة-غزة/ يحيى اليعقوبي:

على مدار محطات تاريخية منذ "ثورة البراق" التي اندلعت عام 1929 إلى معركة "سيف القدس" عام 2021، هبَّ الشعب الفلسطيني للدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، وسطَّر تضحيات دفع خلالها آلاف الشهداء والجرحى في سبيل التصدي للاحتلال الإسرائيلي، ما أربك حساباته، وقصم مخططاته الاستيطانية والتهويدية.

وكانت "ثورة البراق" التي اندلعت في 9 أغسطس/ آب 1929 وبلغت ذروتها في 23 من الشهر ذاته أول انتفاضة فلسطينية ردًا على محاولة تهويد القدس في عهد الاحتلال البريطاني، إذ اندلعت في إثرها مواجهات واشتباكات واسعة النطاق بين الفلسطينيين الأصليين واليهود المحتلين عند حائط البراق، وامتدت لعدة مدن فلسطينية، وأدت لارتقاء 116 فلسطينيًا.

وتوالت الأحداث بعد النكبة عام 1948 واحتلال القدس والضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، ولم تتوقف مجازر الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، خاصة عقب اندلاع انتفاضة الحجارة (الانتفاضة الأولى) عام 1987.

ثم انطلقت "هبَّة النفق" في 25 سبتمبر/ أيلول 1996، في إثر افتتاح الاحتلال نفقًا أسفل المسجد الأقصى، وهو ما أدى إلى انتفاض الجماهير الفلسطينية في وجهه، وامتدت لمناطق واسعة في الضفة وغزة، واستمرت عدة أسابيع ارتقى خلالها 63 فلسطينيا وأصيب أكثر من 1600 آخرين.

وكانت تلك الهبة ممهدة لاندلاع انتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية) عام 2000، في إثر اقتحام زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرئيل شارون باحات المسجد الأقصى وتجوله فيها بشكل استفزازي، لتندلع انتفاضة عارمة توقفت فعليا في 8 فبراير/ شباط 2005، ارتقى خلالها 4412 شهيدا وقتل نحو 1069 إسرائيليا، وشكلت إحدى أبرز محطات النضال الشعبي.

وبعد أحداث مفصلية وقعت باندحار الاحتلال عن غزة عام 2005 أمام ضربات المقاومة، وحروب الاحتلال العدوانية على غزة أعوام (2008، 2012، 2014) كان عدوانه على الأقصى أحد أسباب اندلاع معركة "العصف المأكول"، وتبعها انطلاق "هبة السكاكين" في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2015، التي شهدت عمليات طعن ودهس طالت المستوطنين والجنود نتيجة الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى والاعتداء على المرابطين وإحراق الطفل محمد أبو خضير.

وكان الشعب الفلسطيني يوم 14 يوليو/ تموز 2017 مع هبة باب الأسباط (البوابات الإلكترونية)، لتضع حدا لمساعي الاحتلال للتفرد بالأقصى تمهيدًا لتهويده وحصاره وفرض التقسيم المكاني فيه، فشكلت الاعتصامات الشعبية أمام بوابات المسجد المبارك لحظات فارقة في تاريخ القدس المحتلة، لم يكن أمام الاحتلال وقتها سوى الرضوخ لمطالب المعتصمين وإزالة البوابات، يوم 28 من الشهر ذاته.

أما هبة "باب الرحمة"، فقد انطلقت في وقت سعى الاحتلال للسيطرة على مصلى باب الرحمة حتى يجد له موطئ قدم في الأقصى، بعد إغلاق بوابة حديدية مؤدية إلى المصلى بالأقفال والسلاسل في فبراير/ شباط 2019، وهو ما أثار غضب المقدسيين، فقرروا يوم 22 من الشهر ذاته كسر السلاسل الحديدية الإسرائيلية والدخول إلى المصلى وأداء الصلاة فيه، للمرة الأولى منذ عام 2003.

وفي وقت اعتقد الاحتلال أنه يمكن تمرير مخططات يفرض فيها سيطرته على القدس، بتمرير "مسيرة الأعلام"، اندلعت في مايو/ أيار 2021 "هبة الكرامة" بالداخل المحتل وشهدت المدن والبلدات مواجهات عنيفة مع المستوطنين، بالتزامن مع معركة "سيف القدس" التي خاضتها المقاومة في غزة دفاعًا عن المسجد الأقصى وأهالي حي الشيخ جراح وفرضت خلالها معادلات عرفت باسم "وحدة الساحات".

القيادة الجمعية

ورغم كل ما شكلته الهبات من محطات فاصلة في تاريخ الصراع، رأى الباحث المقدسي د. أمجد شهاب أن المشكلة الأساسية كانت في غياب القيادة الجمعية المحركة للجماهير في القدس، فمثلا كانت رغبة الجماهير حاضرة في هبة "البوابات الإلكترونية" واستعدادهم للتضحية، فضلا عن نزعة التحدي للاحتلال، لكن النتائج كانت "غير مُرضية بسبب غياب القيادة" وتدخل السلطة والأردن لإطفائها.

اقرأ أيضاً: مركز حقوقي: 50 ألف حالة اعتقال منذ هبة القدس في أكتوبر 2015

وقال شهاب لصحيفة "فلسطين": إن المقاومة موجودة والناس مستعدة للتضحية، لكنّ هناك غيابا لقيادة العمل الجماعي بالقدس، معتبرا وجودها أخطر شيء يهدد الاحتلال كما كان الحال في انتفاضة الحجارة عام 1987 التي كانت الفصائل الفلسطينية فيها موحدة.

ورأى أن معركة "سيف القدس" أديرت من غزة، وكان يجب إحداث تجاوب أكبر من الجماهير معها في بقية المدن كما تفاعلت معها مدن الداخل، وخاصة مدينة اللد.

وبطبيعة الحال، يعتقد أن الهبات مزعجة للاحتلال وتعرقل مشاريعه، بل فاجأته وكانت غير متوقعة، مشددًا على أن الظروف الحالية تستدعي اندلاع هبات جماهيرية أخرى أمام تجاوز الاحتلال الخطوط الحمراء في المسجد الأقصى.

ومما أثر في الهبات الفلسطينية، كما رأى شهاب، الدور السلبي للسلطة؛ لكونها تسيطر على معظم المؤسسات الفلسطينية وموارد الشعب الفلسطيني، إذ تبلغ ميزانيتها السنوية 6.4 مليار دولار متجاوزة ميزانيات دول إقليمية، في حين لا يؤمن رئيسها بمواجهة الاحتلال ويتبنى خيار المقاومة السلمية "غير الفاعلة"، ما أثر سلبيًا في نتائج الهبات التي غاب عنها الدعم السياسي الرسمي.

معادلات ورسائل

في حين رأى النائب في المجلس التشريعي باسم زعارير أن الهبات الفلسطينية فرضت معادلات واضحة ورسائل قوية على الاحتلال، بأن الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن الأقصى.

وقال زعارير لـ"فلسطين": الاحتلال يفهم أن الأقصى والقدس درة التاج للشعب الفلسطيني، وأن الشعب مستعد للتضحية من أجلهما، والأحداث المتتالية أوصلت هذه الرسالة جيدا له.

ونبه إلى أنه لا يمكن إنكار أن الهبة الجماهيرية لنصرة للأقصى بحاجة للإسناد والدعم على كافة المستويات في العالمين العربي والإسلامي، فالمسجد المبارك يتعرض للخذلان من العالم العربي، ففي وقت يصعد الاحتلال اعتداءاته عليه وعلى المرابطين فيه، تطبّع بعض الدول العربية مع الاحتلال.

وأكد أن الشعب الفلسطيني أصبح رأس الحربة في الدفاع عن المسجد الأقصى والأمة، معتبرا ذلك "معادلة مختلة"، لكون شعبنا ليس لديه القدرة الكافية على مواجهة الاحتلال الغاشم في غياب الإسناد العربي والإسلامي الرسمي لدعم صموده في المواجهة المستمرة.