فلسطين أون لاين

"على الطاولة".. البلاط البلدي ينطق بحكايا تسع مدن فلسطينية

...
"على الطاولة".. البلاط البلدي ينطق بحكايا تسع مدن فلسطينية

نقوش البلاط الفلسطيني (البلدي) المميز بزخارفه وألوانه الجذابة استلهمت منها الفنانة المقدسية تالا صندوقة مشروعها الفني "على الطاولة" لتحكي تاريخ هذا البلاط الذاهب للانقراض إذ لم يبقَ إلا منشأة وحيدة تصنعه في مدينة نابلس.

توظف تالا أنماط بلاط من تسع مدن فلسطينية مختلفة، وتدمجها في تكوين طاولة محاكية تحمل هذا التنوع الذي أثّر على رؤية وتجربة كل فرد فينا. 

تالا من بلدة بيت حنينا شمال القدس المحتلة، متخصصة في الفنون الجميلة من جامعة القدس -أبو ديس-، وهي شغوفة بكل ما هو تراثي، خاصة القش فتدمجه بأعمالها الفنية وتصميمها الأثاث، محاولة أن تعكس به حكايا جدها النجار.

تجربة حياتية محاكية

تبيِّن لـ"فلسطين" أن فكرة "على الطاولة" كانت جزءًا من مشروع لمؤسسة رواق مركز المعمار الشعبي، والذي يركز على توثيق التراث التقليدي، والمساهمة بتصنيعه، وتسويقه على مدار عامين، وخضعت مع مجموعة من الفنانين لدورة تتحدث عن البلاط التقليدي، ودُعيت لإنتاج عمل فني مستوحى من البلاط التقليدي.

وتوضح أنها استعانت بكتاب يتحدث عن البلاط التقليدي، وأنماطه التي تكررت في عدة مدن فلسطينية، وبعضها لم يتكرر أبدًا، أو كُرر في مدينة أو اثنتين.

هذه المعلومات كانت تشرحها تالا لزائري المعرض لتعريفهم بطبيعة النقوش، والمدينة التي كانت تشتهر فيها، وتاريخ تصنيع البلاط بفلسطين، وسبب تراجع تصنيعه بسبب عدم قدرة المصانع على تصنيع قوالبه التي تتلف ويتم الاستغناء عنها، دون إيجاد بديل.

وعن فكرة مشروعها "على الطاولة"، تقول: "لطالما ارتبطت وطأة قدم اللاجئ والمهاجر ومحلّ إقامته بتفاصيل المدن والقرى والمخيمات التي أصبح جزءًا منها، وأخرى هُجِرت فلا يسكنها".

وتردف: "منذ النكبة مرَّ على فلسطين بمساحتها الجغرافية وتضاريسها المتنوعة أربعة أجيال، يملك كل جيل كيانًا وتجربةً حياتية محاكيةً لتجارب من سبقوه، ثم تحولت إلى طاولة تعكس شيئًا من روحنا، وتاريخنا وذكرياتنا على جذورنا".

وتتابع تالا: "ما بين الرسومات والأنماط المختلفة المستخدمة في تشكيل البلاط الفلسطيني التقليدي إضافة إلى مقعد القش، ارتبطت هذه الأنماط بالمكان والزمان وتنقل الإنسان الفلسطيني جغرافيًا حاملًا معه تاريخه وتاريخ أجيالٍ سبقوه، لتتحول كل هذه التفاصيل إلى جزء من كيانه الحاضر".

وصممت تالا ثماني لوحات تشمل أنماط البلاط، أما غزة فميّزتها بنسج خيوط القش على شكل نقش البلاط السائد فيها، "لأني أردت أن أحكي جذور عائلتي التي هُجرت من عسقلان إلى غزة".

من وحي الحياة

وعن المعنى الذي يحمله اسم معرضها "على الطاولة"، تجيب: "حينما نريد مناقشة أي موضوع نفرد معطياته على الطاولة، ونطلع على حيثياته حتى نستطيع قراءته ومناقشته، "وهكذا أردت عرض أعمالي التي ترتبط بالتراث الفلسطيني على طاولة كل شخص فينا".

وتطمح تالا بعمل دورات لتصميم القش، وتصنيع منتجاته، وحث المتدربين على إظهار مواهبهم، والخروج من إطار الحرفة التقليدية بعيدًا كرسي القش الذي نجده في كل مقهى وحديقة، وتطويره ومزجه مع كل منتج نستخدمه في الحياة اليومية للفلسطيني، حتى لا يغيب مورثه عن ناظريه.

وتمضي بالقول: "البلاط الأرضي التقليدي كان من الناحية التاريخية جزءًا من مجموعة كبيرة من حرف البناء في فلسطين، لا سيما في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، وإبان عهد الانتداب البريطاني، وذلك بفعل اتساع النمو الاقتصادي في فلسطين، وازدهار الحركة العمرانية في كل أرجاء البلاد".

وشاع استعمال البلاط البلدي المزخرف في معظم مناطق حوض البحر الأبيض المتوسط، فقد جُلب لفلسطين في أوائل العقد الثاني من القرن العشرين 1912، وعُثر عليه كذلك في سوريا ولبنان. 

وفي فلسطين، استُخدم هذا البلاط الإسمنتي الملون في الغالب في المدن، إذ حل بالتدريج محل بلاط الحجر الذي كان يُستخدم سابقًا.