"خيامٌ لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء" هي مأوى طالب زايد وعائلته، بعد أنْ هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي بيته، متجاهلةً أوامر محاكمها بعدم قانونية الهدم، لكن تلك الآليات التي أيقظ ضجيجها العائلة من نومها لم تلقِ بالاً لبكاء الأطفال وتشريدهم في ساعات الصباح الباكر.
ففي السادس والعشرين من سبتمبر الفائت فوجئ طالب وعائلته بآليات الاحتلال تطوف حول منزلهم البالغة مساحته 200 متر مربع، وتهدمه دون سابق إنذار، ودون الاستجابة لاعتراضات الأسرة، وتأكيدها أنها تمتلك قراراً من محكمة للاحتلال بعدم الهدم.
خرج طالب وعائلته المكونة من أحد عشر فرداً من المنزل المشيد منذ عام 2000م بملابسهم التي يرتدونها فقط، أما اليوم فهم يقيمون في خيام لا تقيهم حر الصيف القائظ في الأغوار، ولن تقيهم برد الشتاء القارس الذي أصبح على الأبواب.
ومعاناة طالب جزءٌ من معاناة المواطنين في قرية النويعمة شمال أريحا بسبب محاولات الاحتلال الإسرائيلي لتهجيرهم عبر تسليم إخطارات بالهدم لعدد كبيرٍ منهم بذريعة أن البناء للفلسطينيين ممنوعٌ في المنطقة لكونها من مناطق (ج).
وترك الهدم طالب وأسرته أمام ألم نفسي كبير وهم يرون "شقاء العمر" وقد تهاوى في لحظة، فقد عجز عن فعل أي شيء، إذ رافقت الآليات قوات من جيش الاحتلال أشرعت بنادقها في وجوه الأطفال والنساء للحيلولة بينهم وبين الآليات التي أعملت معاولها في أساسات البيت.
اقرأ أيضًا: النويعمة.. قرية فلسطينية تعيش معركة الصمود أمام الآلة الإسرائيلية
تهجير
وحتى أغنام طالب لم ترحمها آليات الاحتلال التي هدمت "البركسات" الخاصة بها فاضطر لإيوائها عند جيرانه بعد فقد شقيقه هو الآخر منزله المجاور له قبل خمسة أشهر بالطريقة ذاتها.
وعائلة "طالب" واحدة من قرابة سبعين عائلة تعيش في مضارب عشيرة زايد في "النويعمة" سلمها الاحتلال جميعاً أوامر بهدم منازلها، حيث تعيش على نار الخوف من أن يُلقى بها في العراء، أو أن يجرف الاحتلال التجمع كاملاً، كما يبين مختار العشيرة سليمان زايد.
ويشير إلى أن ما تسمى "الإدارة المدنية" التابعة لجيش الاحتلال تستهدف منطقة عشيرته لكونها ملاصقة لمستوطنة "ميفوت يريحو" (أول مستوطنة رسمية في الأغوار) لتأمين صلاة مستوطنيها في الكنيس اليهودي "نعران" الذي تفصل بيوت العشيرة المستوطنين عنه.
ويقول: "المستوطنة تزحف شيئاً فشيئاً تجاه أراضينا، وهم يحاولون إخلاء المنطقة لكي يصلوا المستوطنة بـ “الكنيس" مباشرة، فلدينا جميعاً هنا أوامر هدم لكل شيء سواء البيوت أو الحظائر أو حتى أعمدة الكهرباء أو خطوط المياه".
ويرى طالب أن ما يحدث مع العشيرة جزء مما يحدث لجميع التجمعات البدوية في الأغوار بسبب الاستيطان، وخاصة الرعوي، الذي ضيق سبل العيش على تلك التجمعات، ويمعن في تهجير أهلها وطردهم من بيوتهم.
فقدان الخدمات
ومنذ عام 2000م وكل المنشآت في تجمع عشيرة زايد مخطرة بالهدم، "كل شيء حتى الشجر، فقد صادروا لي 300 شجرة زيتون خلعوها من أرضي وأعطوها للمستوطنين، لا يتركون هنا بشراً ولا حجراً ولا شجراً".
اقرأ أيضًا: السلطة تتسبب بـ"نكبة جديدة" لـ"بدو النويعمة"
وحتى الآن هدم الاحتلال قرابة 15 منزلاً يقيم أصحابها حالياً في خيام أو بيوت بلاستيكية لا تقيهم شر الأجواء صيفًا أو شتاءً في الأغوار، "في حين نحن بالكاد نكافح هموم الحياة في التجمع أصلاً، إذ لا توجد خطوط مياه رسمية، ويستعمل الأهالي مياه نبع قريبة لا يدرون مدى سلامتها الصحية" يضيف زايد.
أما الكهرباء فأزمة أخرى وخطر داهم يواجه السكان، وخاصة الأطفال منهم، فلا يتوافر سوى أربعة عدادات كهرباء رسمية يستل منها بقية السكان خطوطاً لبيوتهم وأغلبها ملقى على الأرض وليست مرفوعة على أعمدة في ظل رفض الاحتلال مد كهرباء للتجمع، الأمر الذي يمكن أن يتسبب بصعقات كهربائية لا تحمد عقباها.
في حين يمثل التسوق والتطبيب معاناة من نوعٍ آخر لمواطني النويعمة، إذ يضطرون للذهاب لمدينة أريحا التي تبعد عنهم عشرة كيلومترات، وهي مسافة طويلة جداً، كفيلة بتدهور صحة أي مريض.
كل هذه المعاناة يزيدها الاستيطان الرعوي سوءاً، إذ يحارَب المواطنون في لقمة عيشهم، بعد أن ضيقّ الاحتلال عليهم كل سبل الرعي وحرمهم المراعي، "فأغلبنا هنا باع جزءاً كبيراً من أغنامه فانخفضت الثروة الحيوانية للنصف، وبتنا غير قادرين على شراء الأعلاف لإطعامها".