في تمام الرابعة والنصف من مساء الخميس الماضي تفاجأ مختار عشيرة أبو قربة محمد سالم كعابنة (أبو يوسف) باتصال هاتفي، وهو في مدينة رام الله، يُخبره بأن عدة آليات تهدم منازل العشيرة في منطقة النويعمة شمال أريحا، وسويت بعضها بالأرض.

تبادر إلى ذهن المختار أبي يوسف أن الاحتلال الإسرائيلي يمارس ما اعتاده من انتهاكاتٍ بحق الفلسطينيين في مختلف أماكن وجودهم، وسرعان ما هرع كغيره من أصحاب المنازل إلى المنطقة، فمُنعوا من الوصول لإغلاق الطريق، وبعد الانتهاء تفاجؤوا بأن الآليات تتبع السلطة الفلسطينية، وأن معهم أوامر بالهدم فقط دون إبداء أي سبب، أو أي إنذار مسبق، وهدمت عشرة منازل، وتسببت بالتشريد لقرابة 120 فردًا من أبناء العشيرة.

كان صعبًا على أبي يوسف استيعاب أن تتسبب السلطة بما وصفه بـ"نكبة جديدة" لبدو النويعمة بهدم منازلهم مرة أخرى عام 2021، بعد أن هدمها الاحتلال قبل تسعة عشر عامًا، حتى دون إخراج أي أثاث أو عفش منها، في نكبة سيؤرخها المختار وعشيرته ويُحيون ذكراها كل عام.

توجه "بدو النويعمة" لمحافظ أريحا جهاد أبو العسل، طالبين تفسيرًا لما حدث، لكن دون جدوى أو إجابة مقنعة، فعادوا إلى المكان وأقاموا الخيام القماشية على أنقاض منازلهم المدمرة، بعد رفضهم اقتراح المحافظ السعي إلى توفير بديل عن المكان، وتأكيد إصرارهم على البقاء في الأرض التي يمتلكون أوراقًا ثبوتية بأحقيتهم بها.

يشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي استهدف هذه العشيرة عام 2002 حين هدم منازل 35 عائلة فلسطينية لاجئة من بئر السبع، في منطقة مخماس الجبلية برام الله، فكان أن خصصت لهم وزارة الحكم المحلي مساحة تقدر 20 دونمًا في منطقة النويعمة شمال أريحا، وأقاموا فيها منذ عام 2002 حتى تاريخ الهدم الخميس الماضي.

لكن العجب يكمن في أن السبب الرئيس للهدم -حسب إفادة المختار أبو يوسف- هو فتح مسار لموكب رئيس السلطة محمود عباس، استعدادًا لافتتاح مشروع مدينة القمر الاستثماري شمال مدينة أريحا، المقام على مساحة 2500 دونم من أراضي النويعمة، وهو مشروع تقوم عليه مجموعة عمار العقارية، وتمر طريق بوابة المدينة من أمام منازل بدو النويعمة.

مختار عائلة الزواهرة أبو خالد وصف ما يحدث لبدو النويعمة بالمصيبة العظمى، لا سيما أن مشاهد الدمار التي حلت بالمكان توحي للناظر بأن آلة حرب مرّت من هنا، في استهداف واضح للبدو الذين تنساهم السلطة، وتتركهم فريسة لأطماع المستوطنين والمستوطنات التي تزحف نحو أراضيهم.

وهو ما أكده المختار أبو يوسف خلال حديثنا إليه، أن هناك مستوطِنًا يُدعى "عومر" يسيطر منذ عام 2000 على أرض تقدر مساحتها 5000 دونم، يرعى بها المواشي دون أن تحرك السلطة ساكنًا تجاهه.

وعبر عن تخوفه من سيطرة المستوطنين على الأراضي التي هدمت المنازل فيها، لكون التوسع الاستيطاني يستشري في منطقة أريحا والأغوار، وما جرى سيفتح شهية المستوطنين تجاه تلك الأراضي.

بدوره قال داود كعابنة أحد أصحاب المنازل المهدومة: "اعتدنا أن يكون الهدم من الاحتلال لأنه عدو، لكن لماذا فعلت السلطة؟! فنحن بعنا كل ما نملك لبناء المنزل وتحملنا الدين، وهذا حال كل المواطنين الذين هدمت منازلهم في النويعمة".

وصادرت السلطة الفلسطينية أكثر من 700 دونم في النويعمة وحولتها إلى مواقع عسكرية للأمن الوطني عام 2008، ورفضت منح المواطنين أراضي بديلة عنها، إضافة إلى تحويل الأراضي لإسكان الضباط بأمر من رئيس السلطة محمود عباس، وأنشؤوا بعد ذلك الشاليهات عليها وباعوها للمواطنين، أيضًا يضر اعتداء السلطة على تلك المناطق بعشرات المزارعين الذين كانوا يعملون في تلك الأراضي الزراعية.