فلسطين أون لاين

تقرير محاولات الاحتلال لتدجين الجيل المقدسي تفشل على صخرة "الوعي والانتماء"

...
وقفة احتجاجية رافضة تهويد التعليم في القدس- أرشيف
القدس المحتلة-غزة/ نور الدين صالح:

لا يمضي يوم دون أن تعانق الشابة المقدسية آلاء الصوص (29 عاماً) باحات المسجد الأقصى، ووضع جبينها على أرضه خلال أداء الصلوات، إذ تعد الأقصى "بيتي الثاني الذي أجد فيه الأمان".

بكلمات يرافقها الفخر تسرد "الصوص" قصة تعلقها بالأقصى لصحيفة "فلسطين" وتقول: "لا نفرّط في الأقصى مهما كلفنا الثمن، فهو الدين والعقيدة والحياة بالنسبة لنا"، وتضيف: "هذا التمسك الشديد لا يروق للاحتلال ويدفعه للتنغيص علينا عبر سياسات ممنهجة".

ولا تعتبر الصوص التي تقطن في بلدة بيت حنينا شمالي القدس، الأقصى مكانًا للصلاة والعبادة فقط، "إنما هو بيت نقضي فيه كل نشاطاتنا، فهو المكان الذي نعمل فيه بدون تقييد، وهذا الأمر لا يروق للاحتلال، لذلك يمارس سياسة الإبعادات والاستدعاءات ضد المتواجدين فيه من فئة الشباب تحديداً".

وتوضح أن تواجد الشباب تحديداً داخل المسجد الأقصى يشكل خطراً بالنسبة للاحتلال، لأنهم يمثلون شرارة المواجهة عند أي اعتداء ضد الأقصى، لذلك يسعى إلى تفريقهم واستهدافهم وتقييد حريتهم في التنقل.

اقرأ أيضاً: تقرير إضراب وغضب واسع في "جبل المكبّر" رفضًا لمحاولات الاحتلال أسرلة التعليم

ولم تخفِ الصوص، أنها تعرضت للاعتداء من شرطة الاحتلال والاعتقال والإبعاد أكثر من مرّة، عدا عن دفع الغرامة المالية والحبس المنزلي، بسبب توثيقها لممارسات الاحتلال ومستوطنيه في باحات الأقصى.

وأكدت أن الاحتلال يقمع النشطاء والمؤثرين باستمرار بسبب توثيقهم لممارساته العنصرية في المسجد الأقصى، مشيرةً إلى أنه يسعى إلى إفراغه من الشباب والمؤثرين والمرابطين، خاصة في أوقات اقتحامات المستوطنين.

وتشير الصوص، إلى أنها تقوم برفقة مجموعة آخرين من الشباب باستقبال الوافدين إلى الأقصى، وتعريفهم على أبرز معالمه، وتوضيح رواية الاحتلال المضللة، لافتةً إلى أن الاحتلال يمارس سياسة التضليل، وتخويف الوافدين بأن الأقصى يمثل "بؤرة صراع واقتتال"، في محاولة لثنيهم من الوصول إليه.

في السياق، ترفض الصوص اتفاقية أوسلو التي ركلها الاحتلال، ولا تزال تتمسك بها السلطة الفلسطينية، مطالبةً بفلسطين من البحر إلى النهر، خاصة في ظل استمرار الاحتلال في مصادرة الأراضي والتهويد في القدس والضفة والداخل المحتل.

لن نسلّم الراية

هكذا يبدو المشهد لدى المقدسي مراد عطية (27 عاماً) الذي لا يتغيّب عن المسجد الأقصى، قادماً من حي الشيخ جراح الواقع شرقي القدس، ليؤكد مراراً وتكراراً أن "المسجد الأقصى لا يفارق مخيلته، ويسكن في وجدانه".

ورغم المضايقات التي يتعرض لها "عطية" من الاحتلال خلال تواجده في الأقصى، إلا أنها لم تفتّ في عضده، بل تزيد لديه القوة والإصرار على البقاء ساعات أطول في باحاته، كما يقول لصحيفة "فلسطين".

ويضيف بصوت ترافقه القوّة معبراً عن قدسية الأقصى "المسجد أساس القضية الفلسطينية، وهو الحجر الأساس لها، فإذا ذهب راحت القضية برمتها".

ويحكي عن حبُه للأقصى "لا نعيش بدون الأقصى، فهو يمثل الروح والحياة بالنسبة لنا، وبيتنا الثاني الذي نشعر فيه بالراحة النفسية، ونهرب إليه من ضغوطات الحياة، فكلما زادت ضغوطات الاحتلال زاد تعلقنا وحبنا للأقصى".

ويُشير إلى أنه تعرض للاعتقال والإبعاد والتحقيق عدّة مرات على خلفية مشاركته وتواجده باستمرار في باحات الأقصى، مستهجناً سياسة الاحتلال القائمة على تكثيف الاقتحامات والممارسات العنصرية خاصة في أوقات الأعياد.

ويرى عطية، في اتفاقية أوسلو "أساس دمار القضية الفلسطينية"، وهي التي قسّمت القدس إلى شرقية وغربية، مستدركاً "لكن رغم هذه الاتفاقية المجحفة، إلا أن الشباب المقدسي متمسك بفلسطين من البحر إلى النهر".

أما المقدسي عاهد رشق (40 عاماً) الذي يقطن في البلدة القديمة، يقول بصوت الواثق القوي "نحن في القدس رأس الحربة في الدفاع عن شرف الأمة العربية والإسلامية، ولن نُسقط الراية أمام هذا الاحتلال العنصري".

"يربطنا في القدس ارتباط عقائدي ووطني، وهو في قلوبنا ولن نتخلى عن الأقصى"، بهذه الكلمات يتفاخر "رشق" وهو يتحدث إلى صحيفة "فلسطين"، بحبه وتعلّقه في المسجد الأقصى، والدافع وراء تواجده الدائم في باحاته.

ويشدد أن "المسجد الأقصى هو ملك مليار مسلم، لكن المقدسيين هم رأس الحربة في الدفاع عن شرف الأمة في وجه الاحتلال العنصري، خاصة في ظل هرولة بعض الأنظمة العربية للتطبيع مع دولة الاحتلال".

ويوضح أنه رغم تعرّضه للاعتقال والضرب والإبعاد عن المسجد الأقصى عدة مرّات، إلا أنه لم يتوقف عن التواجد المستمر في باحات الأقصى، "فالاحتلال هو الضعيف ونحن الأقوياء".

ويؤكد أن حكومية المستوطنين المتطرفة صعّدت هجمتها ضد المسجد الأقصى، في محاولة منها لترسيخ التقسيم الزماني والمكاني، والسماح للمستوطنين بأداء الصلوات التلمودية وغيرها، عدا عن استهداف الشباب المؤثرين في الأقصى.

ويدعو رشق، القيادة الفلسطينية وجموع أطياف الفلسطينيين إلى ضرورة وضع إستراتيجية موحدة للدفاع عن المسجد الأقصى ومواجهة الاحتلال، خاصة في ظل تنصل الأخير من اتفاقية أوسلو المرفوضة فلسطينياً.

خطة سيطرة

من جانبه، يرى الباحث المقدسي فراس ياغي، أن استهداف الاحتلال لجيل الشباب يندرج ضمن خطته الرامية للسيطرة على القدس وتهويد السكان، من أجل دفعهم للقبول بالأمر الواقع، وصولاً إلى تهجيرهم بالكامل.

وأوضح ياغي لـ"فلسطين"، أن الاحتلال ينفذ عملية ممنهجة باتجاه محاولة أسرلة المقدسيين داخل القدس، عبر التعليم والنشاطات الاقتصادية ومحاولة فرض بعض القيم في المدينة المقدسة، ومحاولة إظهار أن لليهود حقًا في الأماكن المقدسة بالقدس. 

وأكد أن حالة الوعي التي يتمتع به الجيل المقدسي الصغير أفشلت محاولات الاحتلال بأسرلتهم وتدجين عقولهم، الأمر الذي يدفعهم لمواجهة الاحتلال عند أي محاولة للاعتداء على الأقصى.

وذكر ياغي أن الاحتلال يستخدم عدّة وسائل لتدجين الجيل المقدسي الجديد، منها محاولة تغيير منهاج التعليم في المدارس بالقدس، وفرض منهاج تعليم إسرائيلي تحت عنوان ارتباط (إسرائيل) في القدس.

وبيّن أن الاحتلال يحاول فرض جميع الأمور الحياتية اليومية على المقدسي كما الإسرائيلي في شرقي القدس، وهي ضمن محاولات دمجهم في المجتمع الإسرائيلي، مشيراً إلى أنه يعمل على منع المقدسي من أن يكون لديه ثقافته الخاصة. 

وشدد ياغي، على أن "(إسرائيل) فشلت في تدجين المقدسي وفقًا لخطتها الممنهجة، إذ لا يزال الجيل متمسكاً أكثر من الأجيال السابقة، وذلك بمقاومتها في مختلف المحطات مثل البوابات الإلكترونية وانتفاضة السكاكين عام 2015".