يشهد العالم الإسلامي كل عام احتفالات كبيرة بالمولد النبوي الشريف، تختلف في تفاصيلها وطقوسها، ولكنها تجتمع على التعبير عن حب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بإكرام ذكرى مولده التي تُعد ولادة جديدة للبشرية.
ومع تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا ضد الإسلام في السنوات الأخيرة، واشتداد حملات التشويه والتخويف والتحريف ضد الإسلام ونبيه محمد، بات العالم يشهد مع حلول ربيع الأول من كل سنة احتفالات كبيرة بالمولد النبوي.
وإذ تتنوع هذه الاحتفالات في مضامينها تبعا لتنوع العادات والتقاليد المحلية التي يتميز بها كل بلد عن غيره، يمكنك كمسلم الاحتفاء مع أسرتك وأطفالك بمولد خير البرية بترسيخ المفاهيم الآتية:
تدارس سيرة المصطفى: إن التعبير عن الفرح والحب للنبي، من أصول الإيمان، استنادا إلى قول ﷺ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ ووَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين"، ولا يكون هذا الحب دون التعريف بسيرته العطرة فهي فضائل الأمور في هذا اليوم، حيث يجتمع الناس على تلاوة القرآن الكريم وقراءة الأحاديث والسيرة النبوية، وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف، وصلة الأرحام، وإطعام الفقراء والمساكين عملاً بهديه.
التقرب إلى الله بالطاعات: ثبت عن الرسول ﷺ أنه كان يصوم أيام الاثنين "فسُئل عن صومه؟، فقال: ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت أو أنزل عليّ فيه"، والصوم عبادة، وكل ما كان عبادة فهو من قبيل شكر الله تعالى على نعمه، كما أن بعثة المصطفى ﷺ نعمة أنعم الله بها عليه وعلى المسلمين. وشكر النعم إنما يكون بعبادة المنعم، والصوم عبادة محضة.
الاهتداء بهدية والتحلي بأخلاقه: نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى خلق النبوة المحمدية، فنستلهم من سيرته العطرة ما يعيننا على العبور بسلام من تلك المرحلة الدقيقة في تاريخنا، ونتلمس من سبل الهداية في منهجه الحكيم ما يعالج مشكلات واقعنا وقضايانا المعاصرة، وبيان موقف الإسلام من الجرائم التي ترتكب من بعض أتباعه، وبراءته من كل ما يهدد أمن وأمان البشرية جمعاء وليس المسلمين فقط.
العفو والصفح: العفو والتسامح ينبعان من قلب سليم وخلق كريم، ولقد قالت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها في خلق النبي صلى الله عليه وسلم: "كان خلقه القرآن"، فهو يأخذ بهديه، ويتبع منهجه من غير عوج، ولا التواء.
وقد هيأ الله تعالى نبينا قبل البعثة لذلك وخاطبه بقول: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ". ولمحبته للعفو الكريم والصفح الكريم ما كان يوجه ﷺ لوماً على عمل صنع ما دام يخص نفسه، فيقول أنس بن مالك خادم رسول الله ﷺ: "والله ما قال لي لشيء صنعته لمَ صنعت هكذا؟ ولا لشيء لمَ أصنعه لم تصنع؟".
ولقد قالت عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها في وصف النبي ﷺ: "لم يكن فاحشاً، ولا متفحشاً، ولا صخابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح".
التوسعة على العيال والآخرين: اعتاد الناس على شراء الحلوى والتهادي بها في المولد الشريف وهو أمر جائز في ذاته، لم يقم دليل على المنع منه أو إباحته في وقت دون وقت، ولا سيما إذا انضم إلى ذلك مقصد صالح كإدخال السرور على أهل البيت أو صلة الأرحام فإنه يكون حينئذ أمراً مستحباً ومطلوباً يثيب الشرع على مثله، والقول بتحريمه أو المنع منه ضرب من التنطع المذموم.