أحداث الحياة أخذته إلى مسارات غير متوقعة، بينما كان يرى إبداع أشقائه الفني بأشكال مختلفة ما بين فن تشكيلي ونحت ورسم شيئًا عاديًا، لم يعره أي اهتمام على الرغم من امتلاكه أساسيات جيدة لذلك، إلا أن إصابته أعادته إلى مربع البحث عن شيء يشغل تفكيره بعيداً عن وضعه الصحي، ليكتشف شغفه في فن "الفيلوغرافيا".
أصيب أسامة الرملاوي قبل خمس سنوات إبان مسيرات العودة وكسر الحصار على السياج الأمني الفاصل شرقي قطاع غزة في 11 مايو 2018، قلبت الإصابة حياته رأسًا على عقب، فتسببت بتعطيل مفصل الكاحل وإعاقته إعاقة كاملة.
سلك أسامة (36 عامًا) مشوارًا طويلًا بين أروقة المستشفيات وعلى أسرتها، إذ خضع إلى ما يقارب 39 عملية جراحية ما بين عمليات بالأعصاب بسبب خلل كامل فيها، وتطويل لعظمة الساق بسبب تشهم 12 سم منها في إثر الرصاصة المتفجرة التي أصابته، وأخرى لمعالجة الالتهابات، ومع ذلك لم ينتهِ، "كل ذلك لكي لا أصل لقرار بتر القدم".
فرصة ثانية
أوجدت فترة استشفائه من الإصابة وقت فراغ كبير في حياة أسامة، لاضطراره الجلوس في البيت على مدار 24 ساعة، "هذا الوقت كان بمثابة فرصة ثانية للحياة، فأصبح لدي متسع كبير من الوقت للتفكير والتأمل، قد تكون الإصابة قاسية، لكنها شحنت ذاكرتي بصور وذكريات من وراء السياج الذي يفصل أرضنا المحتلة عنا".
ويضيف الأب لطفلتين: "رغم تفاصيل يوم الإصابة الصعب، إلا أنني في الوقت ذاته لم أنسَ ما شاهدته في ذلك اليوم من مشاهد ومشاعر الشوق والحنين إلى الأرض المسلوبة، ففي مكان الجرح والعجز، عاش هو أيامه وذكرياته بشغف وحنين".
ويلفت أسامة إلى أن بحثه في الشبكة العنكبوتية عن وسيلة أخرى للمقاومة والتعبير عن هذا الحنين قاده إلى إعلان لدورة تدريبية عن فن "الفيلوغرافيا"، هو فن الرسم بالمسامير والخيوط.
ويقول: إن فن "الفيلوغرافيا" يعد أحد فروع الرسم، ويعتمد على استخدام المسامير والخيوط بدلاً من الأقلام والأوراق، وتم تطويره لأول مرة في الإمبراطورية العثمانية خلال القرن الثالث عشر الميلادي، ويعد أحد أكثر أشكال الرسم تحديًا.
ويرسم الجريح أسامه لوحاته الخشبية باستخدام المسامير، والخيطان الملونة، ولاصق، ودهان، وشاكوش حديدي لدق المسامير التي يربطها بطريقة معينة بالخيطان، لتبدو في النهاية لوحة جميلة فيها روح.
ومن بين اللوحات التي أبدعها خريطة فلسطين وشخصية حنظلة ومشاهد أخرى من وراء السياج تروي قصة فلسطين والأمل في العودة، وأسماء لمواليد، ووجوه، وأشكال فنية حرة، وزخارف إسلامية، وتتميز جميعها بدقة وانسيابية عالية.
ويشير أسامة إلى أن استكشافه لهذا الفن أعانه على تخطي التحديات الجسدية والنفسية التي واجهها بمساعدة أصدقائه وأسرته.
ويروج أسامه لأعماله عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ويستقبل منها أيضاً طلبات زبائنه، مبيناً أن بعض اللوحات قد يستغرق إنجازها ساعات، وأخرى قد تستغرق أياماً طويلة من العمل.
ويضيف أن اللوحة هي مصدر دخله الأساسي، إذ يتراوح سعرها ما بين 20 إلى 100 شيقل حسب ما هو مشغول في اللوحة، والتعب الذي استغرقته.
شارك أسامة في معارض فنية محلية حاز فيها على إعجاب الجمهور بفنه وأدائه، لكنه يطمح للمشاركة في الخارج لتمثيل فلسطين.
ويؤكد أسامة أن هذا الفن ليس مجرد هواية، بل وسيلة للتعبير عن قصة حياته وقوته، ويطمح إلى مشاركة لوحاته في معارض دولية.
يختم بالقول: "على الرغم من الإصابة فأنا أقاوم بطريقتي، بالرسم، ولولا الإعاقة التي سببتها المسيرات لما أبدعت في هذا الفن ولما عشت الحنين لوطني المغتصب وراء السياج".