تعد العلاقات الاجتماعية جزءًا أساسيًا من حياتنا، وتؤدي دورًا حاسمًا في تحديد مستوى سعادتنا ورفاهيّتنا النفسية، فإذا كانت هذه العلاقات إيجابية ومحفزة، يمكن أن تكون مصدرًا للسعادة والنجاح، ومع ذلك، قد تتواجد بعض العلاقات "السامة والمؤذية" التي تستنزف الكثير من مشاعرنا ويكون قرار الانسحاب منها صعبًا، فكيف يمكن للأفراد النجاة بذاتهم وتحسين حياتهم الشخصية؟
الشابة ميسون عبد الرازق (35 عامًا) تقول: "نمرّ في حياتنا بكثير من العلاقات التي لا تظهر طبيعتها مبكرًا، ففي بدايتها تظهر فيها مشاعر الحب، وما إن تتعمق حتى تظهر بعضها على حقيقتها، ونُصرّ على الاستمرار فيها بالرغم من قسوتها ومرارتها والأذى الذي يلحق بنفسيتنا".
وترجع سبب ذلك إلى أن اتخاذ قرار إنهاء علاقة صداقة مر عليها سنوات طويلة أو الابتعاد عن قرابة "ليس بالأمر الهين"، لذلك يستبعد كثيرون فكرة الابتعاد التام لصعوبته بالرغم من "سُمية العلاقة" والميل للتغاضي عن بعض التصرفات، وتعتقد أنه إذا كان الشخص حساسًا لا يستطيع تخطي تلك الأذية "عليه الانسحاب".
وتضيف عبد الرزاق: "الأشخاص في العادة يبحثون عن علاقات لا تقوم على شروط، وشخصيًا في الغالب تتغافل عن سبب الاستمرار بها".
أما عبد الله نصر (29 عامًا) فيعتبر أن بعض الناس تتحتم عليها ظروفها أو وضعها التعايش مع تلك العلاقات السامة والمؤذية بشكل إجباري فوق طاقتها أو تصرفها بسبب ظروفها لا تسمح بالمغادرة والانسحاب فتلتزم الصمت وتضطر إلى التحمل.
اقرأ أيضًا: ابتعد عن هؤلاء في حياتك.. علاقات سامة تدمر راحتك النفسية
ويقول: "والبعض يعتقد أن نهاية تلك العلاقة هي نهاية الدنيا، وكأنه يخاف الخروج من دائرة الاعتياد والروتين، ويخشى عدم تقبل وضعه، مما يضطر لتحمل القلق والأذى النفسي".
صفات العلاقة السامة
من جهته يؤكد الاختصاصي النفسي إياد الشوربجي بأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، ولا يمكن له أن يعيش بمعزل عن الآخرين سواء على صعيد الأسرة أو العمل أو الأصدقاء، وهذه العلاقات قد تكون مصدرًا للسعادة والراحة والمحبة، أو مصدرًا للشقاء والتعاسة وبالتالي تصبح علاقات مسمومة تعكر المزاج ويُصيبها الفتور.
ويبين أن الإنسان إذا ما واجه في محيط علاقاته الاجتماعية أشخاصًا يختلفون معه فكريًا أو اجتماعيًا أو تتعارض مصالحه مع مصالحهم، أو سادت أجواء الحقد والحسد والكراهية والغيرة، "أصبحت العلاقات سامة ومؤذية، وتصبح العلاقات شديدة الحساسية لأي تصرف، ويشعر الشخص بالغضب والاستفزاز لأي سبب".
ويرى الشوربجي أن الشخص يمكن أن يكتشف سُمية العلاقة عندما يساء فهمه ويقابل إحسانه بالإساءة، ويواجه عدم الاهتمام والإهمال من الآخرين، ويتعرض بهذه العلاقات للهجوم المستمر وعدم التقدير والهمز واللمز، والتهكم على الأفكار والتصرفات تصل لحد الإساءة الجسدية إضافة إلى اللفظية.
ويقول: "العلاقة السامة تنعكس سلبًا على الحالة المزاجية للشخص ودرجة رضاه عن نفسه والآخرين في المحيط الذي يعيش فيه سواء على مستوى الأسرة والعلاقة مع الزوجة والأولاد، وكذلك على صعيد زملاء العمل والدراسة".
اقرأ أيضًا: الدراسة والعلاقات الاجتماعية.. من يتغلب على من؟
كيف تواجه؟
ويوضح الشوربجي أن ردة الفعل تجاه التصرفات المسمومة تختلف، فالبعض يشعر بالضيق والتوتر والقلق وعدم الرضا والانزعاج والاستهجان لتلك التصرفات، والعلاقة المتوترة وتنعكس عليه وعلى صعيد نمط حياته اليومي ودرجة رضاه.
وفي المقابل نجد الآخرين لا يعيرون العلاقات السيئة أي اهتمام، بل يواجهونها بالإهمال والتجاهل وعدم التفكير فيها، وتركها سواء كانت صداقة أو قرابة أو زمالة عمل، بل إن البعض يشعر بالحرية والراحة وأن حِملًا قد رفع عن أكتافه.
ويلفت الشوربجي إلى ضرورة الخروج من العلاقة المؤذية "لحماية أنفسنا أولًا، وفي الوقت نفسه ألا نلجأ للاستسلام والعزلة بل على الشخص التعبير عن نفسه ومشاعره والبحث عن أشخاص داعمين يعوض بهم النقص الذي أحدثته الارتباطات السامة، والابتعاد عن إرضاء أصحابها لأنهم سيتمادون في إيذائه".
ويختم حديثه: "كما ينبغي ألا يحاول الشخص أن يبرر بقاء العلاقة لأنها ستكون على حساب كرامته وراحته النفسية، وعدم التفكير في الماضي لأنها تنعكس سلبًا على الحالة المزاجية، وأن يحدّث الإنسان نفسه برسائل إيجابية تساعد على لملمة الجراح التي سببتها العلاقة المسمومة".
وينصح الشوربجي بعدم الندم على التصرف الحسن مع الشخص المسموم، والابتعاد عن القطيعة معه، فالانسحاب من العلاقات السامة ليس قرارًا سهلًا، ولكنه يمكن أن يكون حاسمًا لصحتك النفسية وجودتك في الحياة.