تتصاعد التقارير عن الجهود المبذولة لإنجاز اتفاق تطبيع مع السعودية بالتزامن مع مرور ثلاثين عامًا على اتفاق أوسلو، مما أثار مزيدًا من المواقف الإسرائيلية المتباينة حول المسارعة أو التباطؤ في التوقيع على اتفاقيات، بأي ثمن، وقد بدأت الصورة تتضح أكثر، مع إعلان بايدن عن مشروع طموح للبنية التحتية سيربط الهند بأوروبا في النقل البري للبضائع باستخدام السكك الحديدية، عبر الإمارات والسعودية والأردن ودولة الاحتلال.
توقف الإسرائيليون مليًّا أمام المعنى الحقيقي لهذا الممرّ المنافس لمشروع "الحزام والطريق" الصيني لربط السكك الحديدية البرية بين الصين وأوروبا عبر آسيا الوسطى وإيران وتركيا وروسيا، دون عبور في الهند والشرق الأوسط، مع أن التقدير الإسرائيلي لهذا المشروع يرى أنه يحمل أهمية اقتصادية وجيوسياسية كبيرة للصين والدول الشريكة لها.
القراءة الإسرائيلية للممرّ القارّي الجديد تنطلق من فرضية قيام الولايات المتحدة بخطوة جيوسياسية مهمة لها عدة مكونات: أولها وأكثرها أهمية المنافسة على السوق الأوروبية ضد الصين وروسيا، وثانيها تقريب الهند من الولايات المتحدة والغرب، وإبعادها عن روسيا والصين، والاستفادة من منافستها مع الأخيرة.
المكون الثالث هو إخراج الدول العربية الغنية بالنفط من المحور الصيني الروسي، وتقريبها من أوروبا والغرب، مع الاستفادة من المنافسة والتوتر ومع إيران التي تعزز مكانتها في المحور الصيني الروسي، ولذلك لم يكن عبثيًّا أنه لأول مرة في تاريخ ذلك المؤتمر الاقتصادي أن تقاطعه الصين وروسيا.
اقرأ أيضًا: أوسلو عقب 30 عامًا من الحصاد المر.. ماذا بعد؟
اقرأ أيضًا: الاغتراب بعد أوسلو.. الفلسطيني ليس بطلًا في قصص كافكا!
في المقابل، ترى دولة الاحتلال أن لها دورًا كبيرًا في مشروع الممر القاري الجديد من حيث اعتبار نفسها قوة تكنولوجية في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك الأمن، ما يزيد من ضرورتها لجميع اللاعبين، كما أن موقعها الجغرافي يحوز على أهمية في الرابط البري بين الهند وأوروبا، بزعم أنها الدولة الوحيدة الأقرب إلى أوروبا، ويمكن من خلالها الذهاب للبحر المتوسط.
تسعى دولة الاحتلال لتسويق نفسها من خلال الممرّ القاري الجديد مقارنة بجارتيها الشماليتين سوريا ولبنان، باعتبارهما جزءًا من المحور الإيراني الروسي، وإلى الجنوب مصر التي تعارض المشروع لأنه سيضرّ بقناة السويس، وهي بعيدة عن أوروبا، وسيصبح المشروع أقلّ جدوى، مما يجعل من دولة الاحتلال لاعبًا حاسمًا في المشروع، الذي له أهمية إستراتيجية للمصالح الأكثر مركزية لها وللولايات المتحدة والهند، وبلا شك للسعودية والإمارات والأردن.
كل ذلك يفسر حرص الولايات المتحدة على التوصل إلى اتفاق بين دولة الاحتلال والسعودية بما يسمح بهذا النوع من التعاون وأوجه التعاون الأخرى التي من شأنها أن تعود بالنفع على مختلف الأطراف، رغم أن ذلك قد يستدعي من الاحتلال دفع الأثمان المطلوبة، التي قد تكون مرتفعة، ولا تقوى على دفعها!