فلسطين أون لاين

اثنان وعشرون عامًا فصلت "عزام" عن أشقائه التسعة

...
عزام ذياب
طولكرم-غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

على الرغم من أن الإخوة "ذياب" ذاقوا مرارة السجن مراراً وتكراراً، إلا أن شغلهم الشاغل هو شقيقهم "عزام" الذي تغيبه قضبان الاحتلال الإسرائيلي عن بيتهم للعام الثاني والعشرين على التوالي، إذ يقضي حكماً بالسجن المؤبد مدى الحياة، فلا تعرف الراحة طريقها لقلوبهم، وهم لا يعرفون هل سيجتمعون بشقيقهم مرةً أخرى أم لا؟

فقد توفيت والدتهم الحاجة مسعدة ذياب منذ ست سنوات، ولم يكن يتردد على لسانها كلمة أكثر من اسم عزام، فلم تفتأ تذكره ليلاً ونهارًا، وكان أشد ما تخشاه ألا يسعفها العمر بأن تحتضنه حرًّا مرة أخرى، فتوصي أشقاءه التسعة بألا يتركوه وحيداً مهما كلفهم الأمر، وأنهم إذا حظوا بالاجتماع به مجدداً فعليهم أن يكرموه، ويُلبسوه الثياب التي ظلّت تحتفظ بها في خزانة خاصة حتى مماتها.

عدّة الحرية

يقول شقيقه بلال:" كانت أمي تعد العدة ليوم الحرية، تحتفظ بثياب عزام، وتخطط لأنْ تبني له وتزوجه، لقد أوجع قلوبنا رحيلها دون أنْ تتمكن من احتضانه، لكننا مصممون على أنْ ننفذ وصيتها، ونحن نكافح كثيراً لأجل أن نتمكن من زيارته، إذ إن "الرفض الأمني" هو سيد الموقف".

فأشقاء عزام التسعة كان لهم جميعاً من مرارة السجن نصيب، فقد اعتقلوا لفترات متقطعة، ما جعل الحرمان من الزيارة هو السلاح الذي كانت تشهره إدارة السجون في وجه والدتهم -رحمها الله- واليوم تُشهره في وجوههم، إذْ لم يتح سوى لشقيق واحدٍ زيارته ولمرتين فقط (شهريْ يونيو ويوليو الماضيين) منذ وفاة والدتهم!

فقد عانت العائلة مع "المنع الأمني" مراراً وتكراراً، يقول بلال:

"اعتقل الاحتلال أخي عزام في كمين للقوات الخاصة أثناء وجوده في الداخل المحتل عام 2001م، وأوقع بحقه حكماً غير إنساني، وهو السجن المؤبد مدى الحياة، رغم أنه لم يقم بأي عمل عسكري ضدهم، وبعد اعتقاله بفترة وجيزة اعُتقلت أنا وثلاثة آخرون من أشقائي، فحرم والدتي من زيارتنا جميعاً".

حكم كبير

وبعد أن قضى أشقاء عزام مدد محكومياتهم المختلفة، وأُفرج عنهم، سمح الاحتلال لوالدتهم بزيارة "عزام"، والآن فإن أشقاءه يحاولون منذ سبع سنوات الاستئناف على الحكم الكبير الذي أوقعه الاحتلال بحقه، كونه جاء ضمن ما أسماه الاحتلال أحكاماً "رادعة" للفلسطينيين فترة "انتفاضة الأقصى"، إذ لم يثبت عليه القيام بعمل عسكري يستحق عليه هذه العقوبة العالية، "دفعنا مبالغ طائلة للمحامين، وحتى الآن لم يُسمح لنا باستئناف الحكم".

ولإدراك "بلال" وأشقائه ضيق السجن ومرارته، فلن يهدأ لهم بال وشقيقهم ما زال في سجون الاحتلال، "فمَنْ جرّب مرارة السجن لا يستطيع أنْ يهنأ بحياته، وله شقيقٌ داخل أسواره، لقد تزوجنا وأنجبنا، ومرت مناسباتٌ عديدة دون أن يكون لـ "عزام" وجود معنا، صحيح أننا سُجنا، لكن ذلك على فترات متقطعة، فلم ننعزل تماماً عن الحياة في الخارج".

ويتابع بأسى:" لكن عزام تشعر بأنه خارج الدنيا التي نعيشها، أسئلته لا تتعدى حالنا وحال أبنائنا، تمضي الحياة بوتيرة سريعة في الخارج أما في السجن فهي كالسلحفاة، ومهما كان الأسير متابعاً، إلا أن الفجوة بين داخل السجن وخارجه كبيرة جداً".

وحتى الآن أمضى الأشقاء التسعة مجتمعين قرابة ثمانٍ وأربعين سنة في سجون الاحتلال، "فبيتنا كان وما زال دائماً مزاراً للاعتقالات والاستدعاءات الإسرائيلية (...) لكن أجمل الأيام في المعتقل كانت تلك التي قضيتها برفقة عزام، فأطفأت بعضاً من لهيب الشوق المستعر".

إضراب عن الطعام

ففي عام 2012م خاض بلال إضراباً عن الطعام دام تسعة وسبعين يوماً، واشترط لفك إضرابه عن الطعام أنْ يتم جمعه بـ "عزام" في زنزانة واحدة، " قد آزرني عزام بالإضراب عن الطعام مساندةً لي أربعين يوماً، وخضعت الإدارة لشرطي، فاجتمعتُ به أربعين يوماً".

وعن معنويات عزام، يقول:" يتمتع بمعنويات عالية جداً، يمارس الرياضة، وقد أنهى دراسة الماجستير في العلوم السياسية، وهو يحضر لنيل درجة الدكتوراة، يتقن خمس لغات، لا يترك مجالاً للتعلم إلا ويخوضه، ويجتهد في عباداته لأكبر قدر ممكن".

واجتمع بلال مرة أخرى بشقيقه "عزام" شهراً آخرًا في أثناء اعتقاله في 2014، كان أجمل شهر في حياتي، خاصة أنني كنتُ في المرة الأولى منهكاً صحياً بسبب الإضراب، لقد غبطني أشقائي جميعاً على أنني الوحيد الذي تمكنتُ من لقاء عزام، وأسأل الله أن يكون الفرج قريباً ونلتقي ببعضنا وهو حر طليق".