فلسطين أون لاين

"قرية مكحل" تواجه الاستيطان دون أي مقوماتٍ للصمود

...
مواطن يرفع العلم الفلسطيني جوار مستوطنة إسرائيلية
جنين/ غزة–فاطمة الزهراء العويني:

معزولةٌ عن محيطها، محرومةٌ من كل الخدمات تصارع قرية "مكحل" قضاء جنين إجراءات الاحتلال الإسرائيلي الذي يمعن في تضييق الخناق على أهلها بغرض التمدد الاستيطاني في منطقتهم المرتفعة نسبياً وذات المساحة الفسيحة.

يخوض أهالي القرية الذين تملكوا أراضيها بعد هجرتهم من قرية قاقون المهجرة عام 1948م صراعًا مريرًا للتمسك بأرضهم التي تعمل سلطات الاحتلال على انتزاعها منهم بالقوة وبادعاء أنها أرض مُصادرة، ومنذ ذلك الحين وهم يعيشون بعيداً عن كل مظاهر الحياة العصرية دون أدنى نوعٍ من الخدمات.

ولتعرض بيوت القرية للهدم مراراً اضطر الأهالي لوقف بناء أي بيوت جديدة، في حين تتم عمليات التوسع العمراني القديم منها "خلسةً عن أعين الاحتلال" الذي يرقب تحركاتهم ويسارع لهدم البيوت، ليغذي أطماعه الاستيطانية.

اقرأ أيضا: تقرير "خربة طانا".. الاستيطان الرعوي يهدد بقاءها وينذر بترحيل سكانها

المضايقات الإسرائيلية حرمت أهل القرية من مورد رزقهم وهو رعي الأغنام – كما يبين أحد المواطنين محمود مكحل- الذي ضاقت الأرض عليه وعلى مواشيه، بعدما أقام المستوطنون خلايا نحل في الأراضي التي كان يرعى بها أغنامه.

معاناة مستمرة

يقول مكحل: "تقلصت مساحة الرعي كثيراً وأصبحت المهنة غير مدرة للدخل، فنضطر لأن نحصر أنفسنا في مساحة قليلة من الأرض بعد أن كانت المراعي شاسعة المساحة أمامنا، فكثيرون اضطروا لبيع مواشيهم بعد أن أصبحت تكلفهم مبالغ كبيرة لإطعامها".

"ضيق الحال" الذي وصل إليه أهل القرية يعد جزءًا بسيطًا من معاناتهم الممتدة لعشرات السنين – كما يبين ممثلهم وليد مكحل- إذ تقع "مكحل" على الطريق الواصلة بين طولكرم وجنين فهي هدفٌ كبير للاستيطان الإسرائيلي.

وللشهر الثاني على التوالي تخضع القرية لحصار حيث أغلق الاحتلال كل الطرق الترابية المؤدية إليها وقطعها عن امتدادها بطولكرم وجنين ما زاد صعوبة تنقل السكان الذين يسلكون طرقاً أكثر وعورة للوصول إلى المدينتين.

واتخذ الاحتلال من العملية الفدائية التي استهدفت مركبة للمستوطنين في شارع برطعة – مريحة، ذريعة لتضييق الحصار على القرية، فأغلق كل الشوارع والمداخل بالسواتر الترابية والصخرية ما عزلها عن العالم، إضافة إلى حملات تمشيط ورصد للمنطقة ومنع المزارعين من دخول أراضيهم.

ويقول مكحل: "ليت الطرق أصلاً كانت معبدة أو كنا نتنقل عبرها بسهولة، فنحن محرومون من تعبيد الطرق حيث أن شوارعنا رملية، نعاني الأمرين أثناء تنقلنا، حتى المركبات فإن وصولها وخروجها من القرية معاناة، وكنا ننتقل سابقاً عبر الدواب، وننقل عبرها أطفالنا لمدارسهم في القرى المجاورة".

ويضيف: "أما اليوم فيضطر كل مواطني القرية لاستئجار سيارة لتوصيل أطفاله الصغار للمدرسة الابتدائية في "النزلة الشرقية" (تبعد ثمانية كيلومتر عن القرية) وأخرى للأكبر سناً لتوصيلهم لمدارسهم في "مريحة" أما طلاب لجامعة ذكوراً وإناثاً فعليه أن يستأجر لهم بيوتاً في طولكرم أو جنين لإتمام دراستهم".

فالحياة في القرية مرهِقة اقتصادياً ومعيشياً، "لم تصلنا الكهرباء سوى من خمس سنوات فقط، أما الماء فلم يوافق الاحتلال حتى اللحظة على حفر الشارع لمد أنابيب لتوصيل المياه، نجحنا بتوصيلها بطرق أخرى لكنها قد تقطع لأيام".

الأشد سوءًا

وما يزيد معاناة أهل قرية مكحل أن لا أحد من مسؤولي السلطة الفلسطينية يترجم وعوداته لهم على أرض الواقع، "فمنذ مجيء السلطة ونحن أناضل لتحصيل حقوقنا لدعمنا في وجه الاستيطان. لم أترك وزيراً ولا مسؤولاً إلا وقابلته لتلبية الحد الأدنى من احتياجاتنا لكن دون جدوى، تركونا نواجه الاستيطان دون أي دعم حقيقي يمكن الأهالي من الصمود".

اقرأ أيضا: تقرير فرخة.. قرية بيئية تعيش معاناة مزدوجة مع الاستيطان

ويبين مكحل أن أرض القرية مطمعٌ استيطاني كبير لارتفاعها نسبياً مقارنة بالقرى المجاورة، لكن في غياب الخدمات فإن الوصول إليها أمرٌ في غاية الصعوبة، وفي الشتاء يعاني الأهالي الأمرين عندما تدلف المياه إلى بيوتهم السقوف المهترئة وتغمرها بالمياه.

وحتى المياه التي وصلت لبيوت أهل القرية بعد عناء شديد ليس بمقدور جميع الأهالي الحصول عليها، إذ يبلغ ثمن الكوب خمس شواكل ما يجعل الأهالي عاجزين عن ري المحاصيل الزراعية بشكل دوري مما يؤثر على حجم المحصول، "فالمزارع لا يستطيع بهذا الوضع تحمل كلفة تأمين المياه لبيته وأرضه معاً، لذا تجد العديد منهم يعتمدون على المحاصيل البعلية فقط".

واستولى المستوطنون من مستوطنة "حرميش" على منطقة "اللحف الغربي" التي يزرع فيها أهالي مكحل، ويرعون أغنامهم وأقاموا فيها خلايا نحل ومنعوا المواطنين من الدخول إليها.

ويتابع مكحل: "العام الحالي هو الأشد سوءاً في حرب القرية ضد الاحتلال والمستوطنين الذين يعتدون على الرعاة، ويتعمدون المجيء في منتصف الليل لطردنا من بيوتنا وتفتيشها ما يصيب أطفالنا بالرعب".

ويشير كذلك إلى انتشار الخنازير البرية التي يطلقها الاحتلال على المزروعات والناس، فتلحق الضرر بالمحاصيل، "وقبل سنوات هاجمت ابنتي نورا خلال عودتها من المدرسة، وأدت لإصابتها بكسور في اليدين".

وتفتقر القرية وفقاً لـ"مكحل" لمركز رعاية صحي، إذ يضطر المرضى لقطع مسافات طويلة للوصول إلى جنين، "وإذا تعرض مريض لانتكاسة صحية، يمكن أن يفقد حياته قبل الوصول للمشفى. كما لا يوجد في القرية رياض للأطفال أو متنزهات".