جمال الطبيعة الساحر والمزارع الواسعة المليئة بكل أنواع الخيرات تميز قرية "فرخة" وتجعل منها مكانًا عالميًا بطبيعتها التي تحظى باهتمامها بيئي كبير لم ترقْ للمستوطنين الإسرائيليين المتربصين الراغبين في الانقضاض على أراضيها الخصبة وعيون مائها العذبة، فيما يحاول أهلها بكل الطرق منعهم من التغول على أراضيهم.
تقع أجزاء كبيرة من القرية في الجنوب الغربي من محافظة سلفيت ضمن المناطق المصنفة (أ)، باستثناء 1500 دونم تقع في المنطقة (ج) وهي بذلك محط استهداف المستوطنين المدعومين من جيش الاحتلال لمحاولة دفع المزارعين لهجرها قسريًا.
وشهدت القرية أخيرًا سلب قرابة 400 دونم من أراضي القرية وضمها لمستوطنة "أرئيل"، ويسلكون في سبيل ذلك كل الطرق لطرد المزارعين من أراضيهم، كما يبين المزارع صادق الشريف الذي يمتلك أربعين دونمًا في المنطقة المهددة بالاستيطان.
يدعي المستوطنون أن هذه الأرض صدرت بحقها أوامر مصادرة منذ عام 1982م وأنها ضمن المخطط الهيكلي لمستوطنة "أرئيل".
ويستعجب الشريف من ادعاء قرار المصادرة هذا منذ نحو 30 سنة، لم يتسلم فيها آباؤهم وأجدادهم أي قرار مصادرة منذ ذلك التاريخ، "هم يحاكموننا على قرارٍ لم نعلم به سوى من الإعلام!".
اقرأ أيضًا: الاحتلال يواصل تجريف أراضي غرب سلفيت
ويلفت إلى أن المنطقة التي يحاول الاحتلال مصادرتها تقع بين سلفيت وقريتي فرخة وبرقين، وتحتوي على ينبوعيْن من أهم الينابيع هما: المطوي والينبوع، "فقريتنا غنية بالمياه العذبة، وسلفيت عمومًا تحتوي على مجموعة من أهم التجمعات المائية في فلسطين".
ويجتهد الأهالي في حماية أراضيهم الزراعية المهددة بإحاطتها بسياج من الشبك تمهيدًا لزراعتها، "لنفاجأ في صباح اليوم التالي بعمليات سلب المستوطنين للأسلاك والأعمدة، ومصادرة جيش الاحتلال لأي آلية زراعية تعمل بالمكان، مما يفتح شهية المستوطنين للمزيد من التعديات على أراضي القرية".
سلب ممنهج
ويعتمد مزارعو "فرخة" على الآبار المهددة بالسلب في ري محاصيلهم الصيفية والشتوية، "وحرمان مزارعي القرية منها يعني قطع رزق العشرات من العائلات، والقضاء على أحد مدخليْن يستخدمان للوصول إليها، فالقرية لها مدخل يصلها بمدينة سلفيت، وآخر يصلها بـقرية برقين ومدينة رام الله وهذا سيكون مهددا ًبالإغلاق التام".
ويلفت الشريف إلى أن سكان القرية يصلون اليوم إلى رام الله خلال 25 دقيقة بالسيارة، "وإذا ما نفذوا مخططهم الاستيطاني فسنعاني مثل بقية قرى شمال سلفيت من وجود بوابات وتصاريح للوصول إلى أراضينا، وسيكون الدخول والخروج وفقًا لمزاج جنود الاحتلال ما سيضر بشكل كبير بالعملية الزراعية".
وبحسب تقرير صادر عن مركز أبحاث الأراضي بالقدس المحتلة، فإنّ الاحتلال الإسرائيلي أنشأ أربع شبكات طرق التفافية لأغراضه العسكرية ولصالح الاستيطان على أراضي سلفيت، أدت إلى ضياع أكثر من أربعة آلاف و760 دونمًا من أراضي الفلسطينيين في المحافظة لإقامة هذه الطرق، ولم يكتفِ الاحتلال بذلك بل أنشأ جدارًا عنصريًا على أراضي المحافظة.
رئيس مجلس قروي فرخة مصطفى حماد يصف ما تواجهه القرية بـ"المعاناة المزدوجة" على الصعيد الحياة العامة والمعيشي الزراعي، مبينًا أن مخطط الاستيلاء على 400 دونم سيحرم عائلته من 14 دونمًا تقع في المنطقة المهددة بالمصادرة.
ويقول حماد: "قريتنا يسكنها 1800 نسمة، على مساحة ستة آلاف دونم، وهي من القرى التي لم تكن تعاني كثيرًا من الاستيطان سابقًا حتى عام 2017 عندما أعلنت الاحتلال عن عمليات سلب كبيرة للأراضي الزراعية".
ويتابع: "نعمل في المجلس القروي على إحياء هذه المنطقة فشققنا طرقًا زراعية، وزرعنا 1500 شجرة، وقمنا بمساعدة 80 ناشطًا دوليًا مشاركين في مهرجان فرخة السنوي قبيل أسابيع بتسييج 20 دونمًا منها لنفاجأ بجيش الاحتلال ومستوطنيه يعتدون علينا ويصادرون المعدات".
اقرأ أيضًا: الاحتلال يمنع قطف الزيتون غرب سلفيت
قرية بيئية
وليقين حماد وأهل القرية بأن قضاء الاحتلال لن ينصفهم يومًا لذلك فإنهم يصارعون الاستيطان بصدورهم العارية في المنطقة، عبر إقامة حديقة عامة في المكان على مساحة ثلاثة دونمات وإنشاء مسار بيئي يخدم زوار القرية التي تعتبر أول قرية بيئية في فلسطين فيأتيها الزوار من أنحاء العالم.
ويمضي بالقول: "أردنا أن نوصل رسالتنا لكل النشطاء عبر جلبهم للمنطقة المهددة بالمصادرة ليروا كيف يصادر الاحتلال الأرض والمياه هنا، وينقلوا معاناتنا للعالم".
وتعاني القرية أيضًا من الخنازير البرية التي يطلقها المستوطنون تجاه أراضي المواطنين، وتعد تلك الحيوانات المؤذية سببًا رئيسًا في عزوف المزارعين عن زراعة القمح الذي كانوا يصدرونه سابقًا.
ووفقًا لـ"حماد" فإن مستوطني "أرئيل" يفتحون خطوط الصرف الصحي تجاه الأراضي المشتركة لـ"فرخة" وسلفيت و"برقين" ما يلوث الحوض المائي الغربي الموجود في المنطقة وهو الأكبر في فلسطين التاريخية.
هذه الممارسات غيرّت واقع القرية من كونها سلة غذائية لقرى سلفيت المحيطة بها، فلم تعد تلك المنطقة صالحة للزراعة بسبب التلوث.
وتعد "فرخة" من أوائل المناطق الفلسطينية المصنفة في الزراعات العضوية، حيث أعلنت في عام 2017 كأول قرية بيئية تعتمد على عدد من المدخلات العصرية الحديثة. وهو نمط بيئي حديث يستند بالأساس على قيام مجموعة من المزارعين بأنشطة زراعية وبيئية تشكل نمط حياة متجددًا حول التعاطي مع المصادر البيئية المتاحة، بحيث يتم المحافظة على تلك المصادر وتنميتها بالشكل الأمثل عبر مجموعة من المشاريع والأنشطة البيئية، لتشكل في نهاية المطاف التنمية المستدامة المنشودة.