تظهر لدى بعض الأطفال سلوكيات تسلط واستبداد حين يتمتعون بسلطة غير مقيدة أو عندما يكون هناك نقص في تربيتهم بطريقة تفسح المجال لهم للسيطرة على الأوضاع في المنزل بطرق سلبية، في حين يشار إلى ذلك بمصطلح "متلازمة الإمبراطور" أو "أطفال الأباطرة".
أيهم قاسم طفل في السابعة من عمره، يعيش بين والدَين منفصلين، ويمضي فترة الحضانة الأبوية لدى أمه التي تقول: إن طفلها "يستغلها لأجل الحصول على ما يريد، فيصرخ ويتجاهل تعليماتي وأوامري له حتى ألبي طلباته".
وتضيف أن طفلها يحاول أن يبتزها بالعودة إلى والده، "ولذلك أنفذ أوامره ويحصل على ما يريد من حلوى وألعاب، ولكن المشكلة بت أشعر أني أفقد السيطرة عليه وهو في هذا العمر، فكيف سأتعامل معه بعد سبعة أعوام أخرى؟".
أما ميرا تبلغ من العمر عشرة أعوام، فتلقت عناية مفرطة منذ ولادتها، تسمح لها بأن تفعل ما تشاء دون أي حدود أو قواعد، كما تخبر والدتها "أمل".
وتوضح بأن "ميرا" طفلتها الأولى، ولم تكن على دراية بقواعد التربية فكنت أسمح لها بأن تفعل ما تشاء دون قيد أو شرط حتى باتت سلطتي الأبوية تتلاشى، فتجدها تصرخ وتهدد وتبكي لتحصل على ما تريد، وتتجاهل القوانين المنزلية وكذلك مسؤولياتها تجاه وظائفها المدرسية.
وتؤكد الأم أن تربية الطفل مسؤولية كبيرة تقع فيها على عاتق الأبوين تشكيل سلوك طفلهم، وزرع القيم والمبادئ داخله خاصة في المراحل العمرية الأولى، لأنها مرحلة تأسيسية ففيها تتشكل شخصيته المستقبلية.
وتقول: إن التوازن والاعتدال في جميع الأمور مطلوب دون إفراط، فالدلال الزائد أسلوب تربوي خاطئ.
حالة سلوكية
ولا يبدو مصطلح "متلازمة الإمبراطور الصغير" مألوفًا من كثيرين، غير أنّ هذا ما يطلقه أهل الاختصاص على حالات مشابهة يعمد فيها طفل ما إلى السيطرة على محيطه.
وتقول الاختصاصية التربوية د. سجود المدهون، إنّ هذه الحالة الشاذة تعد تحديًا تربويًا يبدأ من المنزل، وبالتالي فإنّ الوالدَين هما المسؤولان، ولا يمكنهما رمي الكرة في ملعب الآخرين، "وتعد العلاجات مثل التوجيه الأسري، والاستشارة النفسية للأطفال والوالدين أمرًا ملحًا للمساعدة في تغيير هذه السلوكيات وتطوير علاقات صحية داخل الأسرة".
وتلفت المدهون إلى "الأطفال الأباطرة" مصطلح قديم بات يسمى بين التربويين بـ"متلازمة الامبراطور الصغير"، وهي حالة سلوكية تظهر عندما يشعر الأطفال بأنهم يمتلكون السلطة والتحكم الكامل.
وتبين أن الأطفال يميلون إلى استخدام التسلط والعدوانية والغضب والتمرد لتحقيق مطالبهم ورغباتهم، كما يمكن أن يلجأ الطفل إلى الكذب والاعتداء اللفظي لأجل الحصول على مطالبه، وغالبًا ما يتجاهلون السلطة والقوانين المفروضة عليهم من أولياء الأمور.
عوامل وأعراض
وهناك عوامل عدة تسهم في ظهور متلازمة "الإمبراطور الصغير"، تبدأ بالانصياع لكل ما يطلبه الطفل في عمر العامين عندما يبدأ الأطفال بإدراك واستكشاف محيطهم الخارجي، وتتنامى بالدلال الزائد وتلبية رغباته، مشيرة إلى أن التحفيز الإيجابي المستمر على كل سلوك يقوم به الطفل يعزز ظهور المتلازمة لديه، إضافة إلى إمكانية أن يقتبس الطفل هذا السلوك التسلطي من أقرانه.
من الأعراض الشائعة لمتلازمة الإمبراطور الصغير التمرد المتكرر، وتجاهل القوانين والتعليمات وامتناعه عن الامتثال لها، وانتهاجِه لتصرفات عدوانية لتحقيق مطالبه، سواءً كانت تلك العدوانية عبارة عن تصرفات لفظية أو جسدية، إلى جانب الغضب المفرط وعدم قدرته على التحكم بمشاعره، كما أنه يرغب في السيطرة الكاملة على الأوضاع ولا يتقبل الاختلاف، وفق حديث الاختصاصية النفسية.
وتشدد "المدهون" على أن "متلازمة الإمبراطور الصغير" تمثل تحديًا للوالدين لكن تجاوزها ليس صعبًا، فالأطفال في حاجة إلى ضوابط وقواعد حتى يدركوا أنّ هناك حدودًا في المنزل كما في المدرسة والحياة عمومًا.
وتضيف: "هم في حاجة إلى التعثّر حتى يتعلّموا كيفيّة النهوض، وإلى الإدراك بأنّه من غير الممكن الحصول على كلّ ما يشتهونه (البداية تكون مع الألعاب والسكاكر وما إليها) حتى لا تصدمهم الحياة في ما بعد، ويتحوّلون إلى بالغين استبداديّين وأنانيّين وغير متسامحين".
كما يمكن للوالدين، تبعًا للمدهون، أن يقدموا نماذج سلوكية إيجابية ليتعلم طفلهم منها، واعتماد نهج المكافآت والعقوبات يتلاءم مع السلوك، وضرورة التواصل بشكل فعال والاستماع لمشاكل الطفل واحتياجاته.
وتختم المدهون حديثها: "قد يحتاج العلاج إلى وقت وجهد، لذا يجب أن يظل الوالدين ملتزمين بتحسين سلوك الطفل، ويتحلّوا بالصبر وروح الاستمرارية والمسؤولية، وبالتالي متلازمة الإمبراطور الصغير يمكن علاجها بنجاح إذا تم التعامل معها بشكل فعال، وبمساعدة مناسبة من الوالدين".