في كل عام، كانت الشابة ريهان شراب، من سكان قطاع غزة، تستعد لاستقبال شهر رمضان بطريقتها الخاصة، حيث تصنع الفوانيس من مواد مختلفة وتزين بها أجواء الشهر الفضيل. لكن هذا العام، بسبب الحرب الإسرائيلية على القطاع، لم تجد أمامها سوى الكرتون لصناعة الفوانيس، بعدما تعذّر عليها الحصول على الخشب والمعادن التي كانت تستخدمها سابقًا.
ريهان، ابنة مدينة خان يونس وأم لطفلين، فقدت بيتها في الحرب، ومع ذلك لم تفقد شغفها بصناعة المشغولات اليدوية، التي قطعت فيها مشوارًا امتد لعشرة أعوام.
وسط ركام المباني المدمرة وأصوات الطائرات التي لا تغيب عن سماء غزة، جلست تحاول تطويع الكرتون بين يديها، لصنع فانوس يحمل بصيصًا من الأمل في زمن الحرب.
تقول شراب لصحيفة "فلسطين": "اعتدتُ أن أستخدم الخشب والمعدن والزجاج الملون في صناعة الفوانيس، لكن بسبب الحصار والقصف، لم أتمكن من الحصول على هذه المواد. ومع ذلك، لم أرد أن يمر رمضان دون أن أصنع شيئًا يضيء لياليه، ويدخل الفرحة إلى قلوب الأطفال".
ومن تحت ركام منزلها، أخرجت بقايا قماش الخيامية، الساتان، والشراشيب، وبدأت بجمع قطع الكرتون من علب فارغة وصناديق مهملة، فقد أصبح الكرتون رفيق الغزيين خلال الحرب، فقررت إعادة تدويره. ثم قامت بقصّه وتشكيله، واستخدمت مادة السليكون لتجميع القطع معًا، وأضافت إليها ألوانًا زاهية، حتى خرجت بفوانيس بسيطة، لكنها تحمل بين طياتها التحدي والإصرار.
صنعت شراب من الكرتون فوانيس وهلال رمضان، مشيرةً إلى أن الأمر لم يكن سهلًا، فالحرب لم تترك شيئًا على حاله، ومع ذلك، قررت أن تحوّل المعاناة إلى إبداع، وتثبت أن الغزيين قادرون على إيجاد النور حتى في أحلك الظروف.
"أردت أن أرسل رسالة للعالم: غزة رغم الألم لا تزال تحب الحياة. رمضان في غزة ليس كأي مكان آخر، لكنه يظل شهر الرحمة والأمل، حتى لو كانت فوانيسه من الكرتون"، وفق حديثها.
لم تكتشف شراب شغفها بالمشغولات اليدوية إلا بسبب الظروف المعيشية الصعبة، التي دفعتها للبحث عن مصدر دخل إضافي يعين زوجها. استعانت بموقع يوتيوب لتعليم نفسها، فبدأت بنسج الصوف، ثم قررت استثمار المواسم وصناعة الفوانيس لما لها من أثر على الأطفال.
تواجه شراب صعوبات عديدة، أبرزها: عدم توفر المواد الخام بسبب إغلاق المعابر وسياسة الحصار الإسرائيلي، وصعوبة التسويق لأعمالها اليدوية، والانقطاع المستمر للكهرباء، مما يعيق عملها.
ترى شراب أن الفوانيس ليست مجرد زينة رمضانية، بل أصبحت رمزًا للصبر والقوة، تمامًا كأهل غزة الذين يواجهون الدمار بالابتسامة، والحصار بالإبداع، الذي لا يموت بالحرب، بل يولد من رحمها.
وتضيف "الأمل يمكن أن ينبثق حتى من أبسط الأشياء… حتى لو كان مجرد كرتون!"