أيام قليلة وتدخل دولة الاحتلال في أزمة جديدة استكمالًا لأزمات بدأت ولم تنتهِ بعد، وتتمثل في إقرار قانون التجنيد الخاص بالمتدينين الحريديم، بإعفائهم من الانخراط من الخدمة العسكرية في صفوف جيش الاحتلال، ولئن كان عددهم قبل عدة سنوات بصورة طوعية قرابة الأربعمائة طالب في المدارس الدينية، فإن الحديث يدور اليوم عن 150 ألفًا لا يتجندون في الجيش، وهذه المرة بقانون مصدَّق عليه من الكنيست.
إن إجراء مسح لعدد جولات النقاش العام والكنيست والمحكمة العليا حول مسألة التجنيد، تظهر حجم الخطر الحقيقي لهذه الظاهرة أكثر من الماضي، علمًا بأن العشرات من جولات النقاش السابقة شهدها الاحتلال بمؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية والحزبية منذ عقود، وقف فيها الجمهور الأرثوذكسي المتطرف وحده في كفة، وبقية مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية في كفة أخرى، أما اليوم فإن هذا الجمهور بات لديه دعم إضافي وإسناد حكومي من ائتلاف هو الأكثر تطرفًا وفاشية.
يعتقد الحريديم أن المرحلة الحالية التي حصلوا فيها على شبكة أمان برلمانية في الكنيست هي الأكثر ملاءمة للتوقف عن بحث جميع الأطراف لمزيد من الصيغ، واتخاذ قرار واضح صريح لا لبس فيه يعفي طلابهم المتدينين من الالتحاق بالخدمة العسكرية، دون المرور بالاستماع لتسوياتٍ جديدة أو جدالات أخرى في المحاكم، بالرغم من أن الحديث يدور عن عشرات آلاف اليهود الذين لا يلتحقون بالجيش، ولا ينضمون لأي خدمة مجتمع مدني، وتقتصر مهمتهم الرئيسة على دراسة التوراة في المدارس الدينية.
اقرأ أيضًا: معضلة إسرائيلية متفاقمة يفرضها الحريديم
اقرأ أيضًا: تحذير إسرائيلي من تنامي نفوذ "الحريديم"
تأتي الصورة المقابلة، وتتكرر عدة مرات في السنة في مواسم التجنيد، حين يأتي المئات والآلاف من الشبان الإسرائيليين مع أهاليهم القلقين على حياتهم في مكاتب التجنيد، يودّعونهم، ويصعدون للحافلات متجهين للقواعد العسكرية للجيش، مما يكشف عن صورتين متعارضتَين متناقضتَين، وتقدّمان دليلًا جديدًا على حجم الفجوة السائدة بين الإسرائيليين.
لقد استمرت الحكومات السابقة في الالتواء على القوانين المرعية، واعتراضات الجيش على تهرب نسب متزايدة من اليهود عن الالتحاق في صفوفه بدوافع حزبية شخصية، ومن أجل الحفاظ على الائتلافات الحكومية من خطر الانهيار، ودأبت على الاستماع لطلبات التأجيل التي لا نهاية لها عن حسم هذه القضية الحرجة.
كل هذا التسويف منح الحريديم مزيدًا من الثقة والجرأة في حسم المسألة لصالحهم، وابتزاز الحكومة ورئيسها وفق صيغة "إما أو"، إما إقرار قانون التجنيد رسميًا، وإعفاء طلابهم في المدارس الدينية من الانخراط في الخدمة العسكرية، أو الانسحاب من الحكومة، وانهيار ائتلافها، وهم يعلمون تمامًا أين سينحاز نتنياهو.