بعد مرور ما يزيد على ثلاثين أسبوعًا على الاحتجاجات ضد الانقلاب القانوني، يبدو لكثير من الإسرائيليين أنه لا يوجد ضوء في نهاية النفق، فمئات الآلاف منهم في الشوارع يفشلون في إحباطه رغم ما يسببونه للحكومة من قلق وتوتر، ولا يبدو أن الائتلاف ينوي التوقف عن إقراره، وبعد أن اعتقد قادة الاحتجاجات أن وقف وصول جنود وضباط جيش الاحتياط لقواعدهم العسكرية، لن يسمح بسنّ قانون واحد، لكن حكومة اليمين أثبتت أنها عازمة على طول الطريق.
وفيما تؤكد هذه المعطيات أن الحكومة ماضية بانقلابها، فإن الهدف النهائي من الاحتجاجات هو وقف التشريع القانوني فقط خشية الإضرار بمصالح الإسرائيليين، مع بقاء الاحتلال لسنوات عديدة قادمة على حساب الفلسطينيين، رغم أن هذا الاحتلال يمكن اعتباره "البطن الرخوة" لقادة الانقلاب، ولعل التهديد بأن استهدافه سيؤدي لسقوطهم، مما يستدعي تحويل الاحتجاج على الانقلاب مقدمة لجعل الأراضي الفلسطينية المحتلة نقطة ضعف الحكومة الحالية.
من باب تأكيد المؤكد وتجسيد الحقائق، فإن الجوهر الحقيقي للانقلاب الجاري حاليًا هو الحفاظ على احتلال الأراضي الفلسطينية، وتعميقه، رغم ما قد يبدو أنه يتعلق فقط بهوية الدولة من الداخل، ومحاولات تديينها وأدلجتها، لكنه يحمل بذات الوقت دلالات فلسطينية ترتبط بجعل الاستيطان والاحتلال هدفه الرئيس.
اقرأ أيضًا: (إسرائيل).. تعديلات قضائية وانهيار اقتصادي
اقرأ أيضًا: (إسرائيل) بعد التعديلات القضائية.. أكثر عدوانًا وأشد وهنًا
رغم ذلك، ومع وجود قطاعات كثيرة من المحتجين على الانقلاب من أصحاب التوجهات اليسارية، لكنهم يتجاهلون تذكير الجمهور الإسرائيلي بالظلم الأخلاقي الناجم عن السيطرة على ملايين الفلسطينيين، وحقيقة أن أراضيهم المحتلة هي المكان الذي يتم فيه إرسال الجنود الإسرائيليين لقمع أصحاب الأرض الأصليين، وتعريض حياتهم للخطر، وزيادة الاحتكاك والكراهية تجاههم.
اليوم، وبعد مرور ثمانية أشهر على بدء الانقلاب، ما زالت قيادات المظاهرات ترفض أي محاولة لربطه بالاحتلال، وبالتالي فإن الاحتجاج قد يتلاشى إذا لم يتم تحديد أهداف جديدة له تضع إزالة الاحتلال نصب عيون قادته، وهو ما سبقه إليهم الجنرال عميرام ليفين نائب رئيس الموساد والقائد الأسبق للمنطقة الشمالية الذي صرح في إحدى المظاهرات بأن الاحتلال هو "أم الخطايا".
هذه المطالب الجديدة المتوقعة تحمل دلالات لا تخطئها العين بنظر رافضي الانقلاب مفادها إدراك أنه آن الأوان لإنهاء الاحتلال، والخروج بفرضية جديدة تقول إنه "ما دامت المستوطنات مستمرة، فإن الانقلاب مستمر أيضًا"، مما يستدعي بالضرورة توسيع رقعة المظاهرات مساء كل سبت من الميادين العامة في الداخل المحتل إلى أخرى عند مفترقات الطرق في الضفة الغربية وأمام بوابات المستوطنات للمطالبة بإنهاء السيطرة العسكرية على الفلسطينيين، ولا أظن ذلك سيحدث قريبًا، لأن الاحتلال واستمراره على الضفة الغربية ما زال يشكل قاسمًا مشتركًا بين معظم أقطاب الحلبة السياسية والحزبية الإسرائيلية.