استيقظ أهالي بلدة عناتا، شمال شرقي القدس المحتلة، أمس، على أصوات جيبات الاحتلال الإسرائيلي التي ترافقها الجرافات العسكرية دون سابق إنذار، لتنفيذ عمليات هدم منشآت سكنية واقتصادية لمواطنين مقدسيين.
عندما وصلت عقارب الساعة عند الخامسة فجرًا، بدأت جرافات الاحتلال تغرس أنيابها الحديدية الثقيلة في جدران وأسقف منازل المواطنين والمحلات التجارية الواقعة في حي البقعان بأراضي بلدة عناتا، لتهدم 12 منشأة سكنية وتجارية.
وتتذرع سلطات الاحتلال بأن هدم المنازل والمنشآت بسبب وقوعها بمحاذاة جدار الفصل العنصري، الذي تُطلق عليه اسم "حرم الجدار" ويُمنع المواطنون من البناء فيه.
وبحسب مراقبين فإن عملية الهدم التي شهدتها بلدة عناتا أمس، هي الأوسع منذ سنوات طويلة، وقد اضطرت قوات الاحتلال إلى إزالة وهدم مقطع من جدار الفصل العنصري الذي يحيط بالحيّ ويمتد على مسافة تزيد على كيلومترين لتنفيذ عملية الهدم.
يقول المواطن أشرف أبو عودة وهو صاحب "مغسلة سيارات"، إنه تلقى اتصالاً عند الساعة الخامسة فجراً يفيد بأن جرافات الاحتلال تهدم "مغسلة".
اقرأ أيضًا: بالصور الاحتلال يهدم منازل ومنشآت في بلدة عناتا شرق القدس
انطلق أبو عودة، وفق ما يقول لصحيفة "فلسطين"، مُسرعاً نحو محله التجاري، فكان المشهد صعباً بالنسبة له، فقد ألقت قوات الاحتلال المعدات الخاصة بمغسلة السيارات إلى الخارج وحولتها إلى "كومة حجارة".
وأشار أبو عودة إلى أن سلطات الاحتلال سلّمته قبل عام إخطاراً بهدم المنشأة، فاضطر لتعيين محامٍ لمتابعة القضية.
وأضاف: "لم يتم التوصل إلى حل نهائي بوقف سريان الإخطار، حيث جاءت قوات الاحتلال لهدم المنشأة دون إبلاغه بنية الهدم في هذا الموعد"، مشيراً إلى أن الاحتلال تعمّد تجريف وتخريب مواقع المنشآت حتى لا يُعاد بناؤها مجدداً.
وبين أن هدم الاحتلال لمغسلة السيارات ألحق به خسائر مالية فادحة تصل قيمتها إلى 400 ألف شيكل.
وتعد المنطقة الصناعية في حيّ البقعان بأراضي بلدة عناتا واحدة من أهم المناطق الصناعية في منطقة شمال شرق القدس، حيث بلدات حزما، جبع، ومخماس.
المقدسي نسيم حمدان قال إن شقيقه "زكريا" تلقى إخطاراً بهدم منزله قبل عام تقريباً، وخصص وقتها محاميًا لمتابعة القضية أملاً بتجميد قرار الهدم، لكنه فوجئ بهدمه من قبل قوات الاحتلال أمس.
وقال حمدان لصحيفة "فلسطين": "فوجئنا باقتحام قوات الاحتلال المدججة بالجرافات والبواقر والجيبات المنزل دون سابق إنذار، وهدمه ومجموعة من البيوت والبركسات المجاورة".
اقرأ أيضًا: إعلان العصيان المدني في شعفاط وعناتا بالقدس المحتلة
وبيّن أن الاحتلال تذرع بقرب المنزل من جدار الفصل العنصري لهدمه، مقدراً حجم الخسائر بـ 300 ألف شيكل.
وأكد أن هذه السياسة ليست غريبة على الاحتلال الذي اعتاد على العنصرية والوحشية، ولا سيّما أنه اقتطع أراضي كبيرة من البلدة في وقت سابق.
وأضاف: "نحن صامدون ومصرون على البقاء على الأرض، ولن نلين أمام هذه الهجمة الشرسة التي ينفذها الاحتلال يوميا بحق شعبنا وأرضنا".
سياسة التهويد
من جهته، أكد رئيس بلدية عناتا، طه النعمان، أن الاحتلال نفذ هجمة هدم شرسة بزعم قرب هذه المنشآت من جدار الفصل العنصري.
وأوضح النعمان لصحيفة "فلسطين"، أن المساحة الفعلية لبلدة عناتا هي 32 ألف دونم، لكن جدار الفصل العنصري التهم منها 30 ألف دونم، لافتاً إلى أن عمليات الهدم تمت في الألفي دونم المتبقية.
وبين أن الاحتلال يهدف من هذه الهجمة إلى تضييق الخناق على المواطنين، في إطار سياسة التهام الأراضي الفلسطينية لمصلحة المشاريع الاستيطانية، وذلك ضمن "صراع الوجود".
وأشار إلى أن هذه الهجمة ليست الأولى التي يشنها الاحتلال ضد بلدة عناتا التي تبعد عن منطقة باب العامود 5 كيلومترات، لكنها الأكبر والأوسع، لافتاً إلى أن حوالي 300 منشأة مُهددة بالهدم.
اقرأ أيضًا: بالصور الاحتلال يهدم منازل ومنشآت في بلدة مقدسية
وشدد على أن هناك حملة ممنهجة في مدينة القدس لحصر وتهجير الوجود الفلسطيني لمصلحة المشاريع الاستيطانية، ضمن سياسة تهويد كبيرة جدًا، موضحاً أن المواطن المقدسي يتصدى لهذه المخططات بثباته وصموده على الأرض.
وطالب النعمان بضرورة تعزيز صمود المواطنين المقدسيين في بلدة عناتا، البالغ تعدادهم 30 ألف نسمة، عبر إعادة تمويل البناء والبقاء، ولا سيما أنهم يتعرضون لعمليات التهويد اليومية.
الباحث في مركز معلومات وادي الحلوة، خالد الزير، أكد أن الاحتلال يستهدف كل ما هو فلسطيني في القدس، وذلك ضمن مساعيه لتفريغ البيوت والأراضي من المواطنين.
وأوضح الزير لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال يسعى من خلال هذه السياسة إلى تأمين مشروعه الاستيطاني الكبير حول القدس وخارج جدار الفصل العنصري.
وبيّن أن الاحتلال يتذرع دائماً بأن البناء يأتي نتيجة عدم الحصول على الترخيص، علماً أنه يمنح آلاف تصاريح البناء في منطقة غربي القدس.