بلغ عدد الشهداء المحتجزة جثامينهم في الثلاجات ومقابر الأرقام قرابة 400 شهيد، منهم 146 في ثلاجة الموتى.
من الواضح أنّ حجم الجريمة كبير جدًّا، ليس بالعدد فحسب، وإنما بما تحدثه من ألم وجرح نازف مفتوح في قلوب الأمهات والآباء وأهاليهم، حجم الألم كبير، إذ يبقى في قلب الأم احتمال أنه لم يمت، وأنّه قد يكون موجودًا في سجن سريّ أو أنهم قد استخدموا جسده كقطع غيار لمرضاهم، طالما أنهم لم يروا أبناءهم، ولم يدفنوا شهداءهم، تبقى الهواجس والتخوّفات تعمل عملها في نفوسهم، فهي حرب نفسية مفتوحة على مصراعيها، مادّة هذه الحرب ليست مدفعًا ولا قنابل ولا رصاصًا، وإنما هي ضرب في العضل، وإنهاك للعصب، وتشتيت للعقل، وأحمال زائدة على قلوب الأمهات والآباء، بحيث تقضّ مضجعه ليل نهار ودونما توقّف.
هو عقوبة لأهل الشهيد وجريمة من الوزن الثقيل، إذ هي استمرار في عقاب الإنسان بعد قتله، وهي أيضًا محاولة لسحب شرعية نضاله، إذ لا يريدون له أن يحظى بجنازة مهيبة عند شعبه، وهم يغتاظون أيّما إغاظة من رؤيتهم احتضان الشعب الفلسطيني لشهدائه، بينما أهله يريدون له قبرًا يُزار، وعنوانًا يعرف به، ما يؤكد على مكانته كشهيد، وأن تبقى ذكراه منارة على طريق السيادة والتحرير، وأنّه مصدر فخر واعتزاز وإعلاء لقيم الحرية والكرامة والتضحية والفداء.
أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم قاموا بمبادرة تحت عنوان وحدة الوجع، ويقومون بزيارة أهالي الشهداء الجدد بحالة تضامنية عظيمة محمّلة بجميل المشاعر الوطنيّة النبيلة، تمتزج فيها القلوب والأرواح وتلتقي على سموّها العالي الرفيع.
اقرأ أيضًا: تجزئة الغضب
اقرأ أيضًا: قبور بلا هوية وجثث بلا قبور.. عن مقابر الأرقام أتحدث
وكان آخر هؤلاء الشهداء الأسرى خضر عدنان، فبأي ذنب يُحتجز جثمانه، ويحرم من مواراة الثرى بين أهله وربعه؟
وهو بالمناسبة لم تدينه محكمة بأي تهمة عندما كان موقوفًا، قتلوه دون تهمة، واحتجزوا جثمانه، فهل يوجد مثل هذه الجريمة التي تظهرهم على حقيقتهم السادية الفاشية المجرمة؟
ومن الأسرى الشهداء ناصر أبو حميد الذي لم يكتفوا بقتله في ماكينة الإهمال الطبّي المتعمّد، بل واصلوا تعذيب أهله باحتجاز جثمانه.
الأسماء كثيرة، وهي قامات عالية، ومن أصحاب الأفعال والمواقف العظيمة.
وحتى يتم تحريك هذا الملف بشكل عملي لا بد من فعل السلطات الرسمية بالمطالبة الجدية والدولية بهم، وكذلك لا بدّ من المطالبة بدعم الفعاليات المساندة لهم شعبيًّا، ولا بدّ من الدعم المعنوي المستمر لأهلهم وذويهم، ووضعهم كأولوية من أولويات العمل الوطني والمقاوم الفلسطيني.