الأسرى الفلسطينيون القابعون في سجون ومعتقلات الاحتلال يواجهون على مدار تاريخ الحركة الأسيرة سياسة صهيونية عنصرية تستهدف صمودهم الأسطوري، بتحديهم إدارة السجون الإسرائيلية، لما تمارسه من سياسة القمع والتعذيب والتنكيل والإذلال والإهمال الطبي، والحرمان من الحقوق والإجراءات اللاإنسانية، مثل حرمانهم من الزيارات، واليوم يصدر وزير ما يُسمى بـ"الأمن القومي" الصهيوني المتطرف، إيتمار بن غفير، قراره العنصري بتقييد زيارة عائلات الأسرى من الضفة الغربية في سجون الاحتلال، بحيث تجري هذه الزيارات مرة كل شهرين بدلاً من مرة كل شهر، لحقده الدفين والمعلن تجاه الفلسطينيين، والأسرى بصفة خاصة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تبعه عدة إجراءات ضمن خطته التي وضعها كعقاب جماعي للتضييق على الأسرى الفلسطينيين -بحسب تقرير مركز الأسرى للدراسات والأبحاث الإسرائيلية- بتاريخ 2/9/2023، أهمها: تقليص مدة الاستراحة في ساحة السجن، وتقليص أصناف المنتجات المعروضة في الكنتينا، كاللحوم والمنظفات، وتقليص عدد قنوات التلفزيون في السجون، وإلغاء ممثل الأسرى أمام إدارة السجون، وزيادة عدد الأسرى في الغرف ما تسبب في اكتظاظ الأسرى.
إن الحملة الشرسة التي تشنها حكومة الاحتلال بقيادة المتطرف بن غفير ضد الأسرى الفلسطينيين في هذا العام ليس لها مثيل في الشدة والقساوة والظلم، إذ سُنَّت عدة قوانين عنصرية بحقهم، مثل: قانون سحب الجنسية والإقامة من أسرى ومحررين مقدسيين ومن الأراضي المحتلة عام 1948، ومشروع قانون يقضي بترحيل عائلات الأسرى والشهداء، وآخر يحرم الأسرى من العلاج وغيرها، وخلال الأشهر الستة الماضية أصدر عدة قرارات للتضييق على الأسرى وتعميق معاناتهم، أبرزها: إغلاق المخابز، وتقليل استخدام الحمامات والمياه إلى الحد الأدنى، وإلغاء علاجات الأسنان، وتقليص فترة الفسحة، ومصادرة أجهزة التدفئة والطبخ وكثير من مقتنيات الأسرى الخاصة، ومنع الإفراج المبكر عن الأسرى الفلسطينيين قبل انتهاء محكومياتهم، حتى لو كانوا على مشارف الموت، وقانون إعدام الأسرى، واقتطاع ومصادرة رواتبهم، بهدف تركيعهم وإذلالهم وإخضاعهم بشروطه.
اقرأ أيضًا: الأسرى: لا.. لابن غفير والعنصرية
اقرأ أيضًا: "بن غفير" الوجه الحقيقي للاحتلال
إن تنفيذ قرارات المتطرف بن غفير العنصرية بحق الأسرى بمثابة صب الزيت على النار، وسوف يفجر الأوضاع داخل السجون وخارجها، خاص وأن الأسرى يعدون العدة لخوض إضرابهم المفتوح عن الطعام في منتصف هذا الشهر، في حال طبقت تلك الإجراءات، أما على المستوى الشعبي فمن المتوقع أن تتزامن إضرابات الأسرى مع الاحتجاجات الشعبية والمظاهرات العارمة في الضفة والقطاع والداخل المحتل، وستشهد بالتأكيد مواجهات عند خطوط التماس مع قوات الاحتلال، التي ستشعل نار الانتفاضة من جديد، وحينها ستوحد الساحات، وستشتد المقاومة، وتنهال صواريخها من كل حدب وصوب على رؤوس الصهاينة كما حدث في المواجهات السابقة، وربما بوتيرة أكثر ألمًا وقسوة.
الملاحظ أن حكومة الاحتلال الفاشية والأحزاب الصهيونية المتطرفة وإدارة السجون ومعهم المحاكم العسكرية يتبادلون الأدوار في تضييق الخناق على الأسرى الفلسطينيين كلما حققوا انتصارًا يعزز من حقوقهم المشروعة في القوانين والأعراف والاتفاقيات الدولية، التي يتجاهلها الاحتلال، ويمضي في ارتكاب الجرائم تلو الجرائم بحق الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع العالم، الذي لا يحرك ساكنًا ولم يوقف الاحتلال عند حده، بإلزامه بصون الاتفاقيات الدولية، ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة، واتفاقية لاهاي بخصوص الأسرى وعدم المساس بحقوقهم وعدم النيل من كرامتهم.
إن قضية الأسرى الفلسطينيين خط أحمر، كونها من المسلمات والثوابت الوطنية، فلا يمكن السماح لبن غفير وغيره بالاستفراد بها أو المساس بمنجزاتهم التاريخية، لتحقيق أهداف وغايات سياسية كمنافسة حزبية أو دعاية انتخابية مستقبلية، أو لمكاسب أمنية بعد فشله في تحقيق أي من وعوده ضد الأسرى، وقد أشتد غيظه لما تحققه الحركة الأسيرة من انتصارات مرغت أنفه وكسرت عينه وبددت آماله السياسية والأمنية وأجبرته على الموافقة على شروطها كما حدث الشهر الماضي بدخول أعداد كبيرة من الأسرى في الإضراب عن الطعام، ومن قبل تهديدات الحركة الأسيرة بالاعتصامات في “معركة الكرامة” قبيل شهر رمضان الماضي، وفي كل مرة يهزم الجمع ويولون الدبر أمام صمود وعزيمة الأسرى.
فما ينتظره الأسرى من الشعب الفلسطيني هو تنفيذ خطوة مماثلة لصفقة "وفاء الأحرار"، لتحريرهم من قبضة الاحتلال الصهيوني المجرم، لإيمانهم بأن مسار المفاوضات مع الاحتلال لم يجلب لهم حريتهم، ولا يحفظ لهم كرامتهم، ولا يرجعهم إلى بيوتهم وأهاليهم وأولادهم، فالوقفات الاحتجاجية وكلمات الشجب والاستنكار، رغم أهميتها، لكنها لا تكفي لرفع الظلم عن الأسرى، بل بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود على المستويين الرسمي والشعبي لدعم الحركة الأسيرة في المحافل الدولية، وفضح ممارسات سلطات الاحتلال بمقاضاة بن غفير لتجاوزه وحكومته حدود القانون الدولي الخاص بضمان حقوق الأسرى.